الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإنّه وفي يوم 27/01/2013 حصلت مناقشة بيني وبين الأخ جامع الهيراني حول التصوّف والصوفية وذلك على شبكة سحاب السلفية على هذا الرابط: من هنا
فأحببت أن أنشر ما تناقشنا حوله لعلّ الله أن يصلح به من يشاء من عباده، فأقول:
قال الأخ الهيراني:
((كلام السبكي الإبن قد يكون صحيحا،وقد قال نحو هذا غيرُ واحد من
الأئمة، أما هو فله شطحات، وكان يبجل الصوفية والأشاعرة ويتعصب على شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ولا أعلم منه أنه دعى إلى الشرك كما قال بعض
الإخوة هنا.
وفي الصوفية أقوام صلحاء، كما أن فيهم زنادقة وأهل حلول إنتسبوا إليها. وهؤلاء الفضلاء من أهل التصوف قد تصدر منهم شطحات مغفورة بسبب قوة سلطان المحبة كأن يقول- كماقال العلاّمة ابن القيّم رحمه الله- :( سبحاني!، أو: مافي الحبة إلّا الله!. ونحو هذا من الشطحات التي نهايتها أن يغفر له، ويعذر لسكره، وعدم تمييزه في تلك الحال) إنتهى كلامه، ومن إعتقد ذلك في حال الصحو كفر! وهل قتل الحلّاج ونفي أبو يزيد البسطامي إلّا بمثل هذه الكلمات؟؟! ))
قلتُ:
أنا أؤيّد أخي بشيرا في كلامه وأقول للأخ الهيراني يا أخي الكريم لقد كان
بيننا نقاش حول الصوفية فيما مضى من الزمان والذي ظهر لي حينها أنّك تفرّق
بين التصوّف الصحيح والتصوّف الدّخيل ... وأنا والله أعجب من هذا الكلام
ومن هذا التأصيل
يا أخي إنّه لا صوفية في الإسلام وقد كان بيني وبينك هذا الكلام فأحبّ أن يقرأه الإخوة الأفاضل ويحكموا بالعدل:
قال الأخ الهيراني:
((أشكر الإخوة الكرام على مشاركاتهم.....
كلمة " الصوفية" أو" التصوف" جاء بعد إنسلاخ القرون المفضلة، في البداية كانت تعرف بأهل الزهد ثم أصبحت فيما بعد يستخدمها جماعات وطرق مضلة لا تتحاشى عن الحرام و{لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
وأنا أتكلم عن أهل التصوف القديم الصحيح وهْو الذي يثنى عليه ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله، و" التصوف" مصطلح مثل " العقيدة"، وأنا لم أقف على كلمة " عقيدة" في آية ولا حديث ولا استخدمها الرعيل الأول حسب علمى القصير، بل هو مصطلح متعارف عليها عندالمتأخرين.
وأقول لبعض الإخوة الذين يرون التصوف دخيلا، لكم الحق في ذلك فقد سبقكم بذلك بعض أهل العلم، لكن بعضهم أيضا يرون التفصيل وهو ماأجنح إليه.
وهناك تنبيه آخر، ينبغى أن نتقيد بأدب العلماء، هل من العلماء من وصف كلمة" وثني" بالوالد وماولد وهو السبكي الأب والإبن؟؟ لقد ناقش الإمامان -ابن رجب وابن الهادى- معهما ومااستخدما كلمة تدل على كفرهما أعنى السبكيين.....))
قلتُ:
العبرة أخي الكريم في اتّباع دليل العالم لا العالم في حدّ ذاته وإلا فهذه خصال الصوفية أنفسهم ((ألصقها في عالم ونم سالم)) فأنا أعلم أنّ من العلماء من فرّق في حكمه على الصوفية ففرّق بين متقدّميهم ومتأخّريهم ... والحقّ الذي لا مناص عنه ولا محيد أن لا صوفية في الإسلام بل ولا في العربية أصلا ... والأدلّة كثيرة على هذا وليس هذا مقام بيانها وإن شئتَ فهاك بعضها:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنّ كثيراً من النّاس تختلط عليه كثيرٌ من المُصطلحات والمفاهيم فلذلك تجدهم يخلطون في التعبير عن الأمور التعبير الصحيح الدقيق.
وإنّ من المصطلحات التي طالما خلط بينها العوام وبعض طلبة العلم مصطلحي الزُّهد والتصوُّف .. حيث نجد كثيرا من النّاس لا يكاد يُفرّق بينهما فينتج على ذلك الخلط مدح المذموم وذمّ الممدوح !
وإنّ معرفة الفروق بين المصطلحات من أهمّ وأوكد العلم الذي ينيلُ به صاحبه، ويسهل عليه الفهم الصحيح للإسلام والسنّة وبالتالي القيام بنشر العلم الصحيح، وبالمقابل فإنّ عدم التمييز بين الأمور وعدم معرفة الفروق بينها مظنّة لزلّة القدم والوقوع فيما يُذمُّ عليه.
(وقد أولى علماؤنا بهذا الأمر –أي معرفة الفروق- اهتماماً كبيراً فتجد فروقاً كثيرة منثورة في كتبهم، بل إنّه يوجد من جمع الفروق في كتاب مستقل، كالقرافي في ((الفروق))، والعسكري في ((الفروق اللغوية))، ومنهم من تمنّى جمع ذلك في كتاب كابن القيّم رحمه الله، ومنهم من عقد فصلاً في ذلك كالسيوطي في ((الأشباه والنّظائر))، و((المزهر في علوم اللغة وأنواعها))، وابن قتيبة في ((أدب الكاتب))، وما ذاك إلا لأهمية الأمر، ومعرفته يُعدُّ من المهمّات في مواضع ومن المُلح في مواضع أخرى) (1) وهو في هذا الموضع من المهمّات لأنّ كثيراً من الصوفية الدجاجلة يُمرّرون دجلهم وهراءهم عن طريق التلبيس والتدليس ومن ذلك تلبيسهم على العوام وإيهامهم أنّ التصوّف يعني الزُّهد !
فإدا سمع العوام ذلك ونظروا في سيرة السلف الصالح وتراجم رجالهم وجدوا: فلان الفلاني الزاهد العابد... فيظنّون أنّ فلاناً من السلف كان صوفياً لما ترسّخ في عقولهم وأذهانهم أنّ الزُّهد هو هو التصوّف ! وهذا ما يرمي إليه الصوفية .. إيهام النّاس أنّ دجلهم من عمل السلف الصالح وأنّهم ما ورثوا ما هم عليه إلا منهم !!
فانظر مثلا إلى هذا المدعو محمّد عفيف الزعبي حين قال في تعليقه على كتاب ((الإتحافات السَنيّة بالأحاديث القدسيّة)) للصوفي الكبير عبد الرؤوف المناوي تلميذ الصوفي الدجّال عبد الوهّاب الشعراني، قال المعلّق على الكتاب تحت الحديث رقم 48 (ص27) ((إنّي حرّمتُ الظلم على نفسي ...)) الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه: ((راويه هو إمام أهل الصوفية الذي قيل فيه: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة منه)) اهـ !!!
هكذا قال –عامله الله بعدله- وهو يعني بكلامه هذا الصحابي الجليل أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه لما اشتُهر به رضي الله عنه من زهد في الدنيا وانقطاع عنها إلى الآخرة!!!
وهذا جهل منه أو مكر وخذيعة فإنّ أوّل من سُمّي بالصوفي: أبو هاشم الكوفي المتوفّى سنة 150 هـ كما ذكر ذلك صاحب كتاب ((كشف الظنون 1/222)) وكذلك ذكر السيوطي في أوائله. فكيف ينسب هذا المُفتري صحابياً جليلاً إلى دنس التصوّف وزبالة الصوفية ؟!
يقول الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله: ((وبهذا ندرك أنّ إدخال الصحابة في زمرة الصوفية –كما يفعل بعض مؤرخي الصوفية- فيه عدوان على الحقيقة والحقّ والتاريخ)). (نظرات في التصوّف، عبد الرحمن الوكيل، مجلّة الهدي النّبوي عدد 10 سنة 1379هـ)
ولأجل ذلك وجدتني مُتحمّساً لأجمع في هذه الأسطر القليلة بعض الفروق بين مُصطلحي الزُّهد والتصوّف حتى يحي من حي عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.
أخوكم: أبو عبد الله غريب الأثري القسنطيني.
02/08/2008م
أولى تلك الفروق:
إنّ الزُّهد قد جاءت به أحاديث نبويّة صحيحة كالحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك)).
أمّا التصوُّف فلم يرد لا في الكتاب ولا في السنّة ولا في كلام السلف الصالح وإنّما هو اصطلاحٌ دخيلٌ على الإسلام والمُسلمين ومن زعم خلاف هذا فليُتحفنا بالدليل الصحيح –وهيهات-
ثانياً: الزُّهدُ معروفٌ من ناحية اللغة العربية ومعناه كما ذكر ذلك الراغب الأصفهاني في مُفرداته (ص220 المكتبة التوفيقية): ((زهد: الزّهيد الشيء القليل، والزّاهدُ في الشيء الرّاغبُ عنهُ والرّاضي منه بالزّهيد أي القليل: ((وكانوا فيه من الزّاهدين)) اهـ
إذن فالزّاهد في الدنيا الراغبُ عنها والراضي منها بالقليل وهو معنى الحديث المُتقدّم آنفاً.
أمّا التصوّف فهو كلمة أعجمية لا أصل لها في لغة العرب، ومهما حاول المُبطلون أن يُزوّروا الحقائق ويقلبوها فلن يجدوا لهذه الكلمة في قواميس اللغة العربية ومعاجمها معنى ولا اشتقاق !
وهذا تحد منّي مفتوح لكل صوفي سوّلتْ لهُ نفسُه ادّعاء خلاف هذا أن يجد من كلام العرب ما يُشيرُ ولو من بعيد لأصل اشتقاق هذه الكلمة (صوفي) أو (التصوّف) أو (متصوّف)، وأنّى له ذلك وإمام الصوفية وواضع ركائز الدّين الصوفي عبد الكريم القُشيري يُؤكّدُ هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان كثير من المنتسبين للتصوّف –إن كانت لهم أذهان- فيقول بالحرف الواحد: ((وليس يشهدُ لهذا الاسم –صوفي- من حيث العربية قياس، ولا اشتقاق. والأظهر فيه أنّه كاللقب)) اهـ (الرسالة للقشيري ص126)
ويقول حسن رضوان كما في كتاب ((روض القلوب)):
أقول هذا بملئ فيَّ وأنا على يقين من أنّ هذه الكلمة أعجمية يونانية وهي كلمة مُعرّبة من كلمة سوفيا أو صوفيا (sofia) وهي تعني بلغة الإغريق ((الحكمة)) ومنه الفلسفة (philasofia) أي حبّ الحكمة، فـ (phila) تعني: حب، و (sofia) تعني: الحكمة.
هذا وقد قال بهذا الكلام جمعٌ كبيرٌ من أهل العلم أذكرُ منهم من قرأتُ لهم شخصياً تقرير ما سبق من أصل اشتقاق كلمة صوفي: العلامة البشير الإبراهيمي ، والعلامة مبارك الميلي كما في كتابه تاريخ الجزائر، والعلامة عبد الرحمن الوكيل، والعلامة محمّد جميل غازي، والعلامة إحسان إلهي ظهير رحمهم الله أجمعين.
وقرّر ذلك أيضاً المؤرّخ البيروني في كتابه ((تحقيق ما للهند من مقولة ص16) وهو في معرض الكلام عن معتقدات حكماء اليونان والهند التي تهدفُ إلى إثبات وَحدة الوجود، ثمّ عقب على هذا بقوله: ((وهذا رأي الصوفية)). انظر (نظرات في التصوّف، عبد الرحمن الوكيل، مجلّة الهدي النّبوي عدد 10 سنة 1379هـ) و (عبد الرحمن الوكيل وقضايا التصوّف، ص16-23 فتحي أمين عثمان) و (التصوّف المنشأ والمصادر، إحسان إلهي ظهير) و (هذه هي الصوفية، عبد الرحمن الوكيل) و (الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان، ابن تيمية) وغيرها.
ثالثاً: إنّ السلف ذمّوا التصوّف ولم يذمّوا الزّهد بل قد صنّفوا فيه كُتُباً فمن ذلك:
· كتاب ((الزهد)) لعبد الله ابن المبارك.
· كتاب ((الزهد)) لأحمد ابن حنبل.
· كتاب ((الزهد)) للبيهقي.
· ((كتاب الزهد)) من سنن ابن ماجه.
قال رحمه الله تعالى (ج2/ص1373) باب الزهد في الدنيا:أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك)) حديث رقم 4102 قال الإمام الألباني: صحيح.،
· ((كتاب الزهد)) من سنن الترمذي (4/550)
· ((كتاب التوبة والزهد)) من الترغيب والترهيب للمنذري.
وغيرها من الكُتُب والمُصنّفات.
أمّا التصوّف فلم يذكروه في مُصنّفاتهم ولا في مُؤلفاتهم فضلاً أن يخصّوه بمصنّف مُستقل ! فما سمعنا ولا رأينا ولا قرأنا كتاباً لأحد من السلف بعنوان ((كتاب التصوّف)) ؟؟!!
رابعاً: قد كتب أئمّة السلف أئمّة الحديث والسنّة كُتُباً مُطوّلة ومُختصرات ذكروا فيها ما يجب على المرء أن يدين لله به ونصّوا في مُقدّماتهم أنّ ما ذكروه في هذه الكُتُب هو بمثابة سفينة نوح التي من تأخّر عنها غرق في بحر الظلمات والشبهات.
فمن تلك الكُتُب التي تُعدُّ أصول اعتقاد السلف أهل الحديث والأثر: ((أصول السنّة)) للإمام أحمد ابن حنبل، و((السنّة)) لابنه الإمام عبد الله، و((صريح السنّة)) للإمام الطبري، و((الإبانة عن أصول السنّة والديانة)) للإمام ابن بطّة العُكبُري، و((شرح السنّة)) للإمام البربهاري، و((الإبانة عن أصول الديانة)) لأبي الحسن الأشعري، و((الشريعة)) للإمام الآجرّي، و((السنّة)) للإمام الخلال، و((الاعتقاد)) للإمام أبي الحسين بن أبي يعلى الفرّاء، و((شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة)) للإمام اللالكائي، و((السنّة)) للإمام ابن أبي عاصم و((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) للإمام أبي عثمان الصابوني -رحم الله الجميع- وغيرها من الكُتُب. فما نصّوا ولا ذكروا بل ولا أشاروا ولو إشارات خفيّة –إن صحّ التعبير- إلى استحباب انتحال دين التصوّف بله وجوبه، وإليك أخي القارئ الكريم فقرة من كلام الإمام أبي الحسين محمّد بن القاضي أبي يعلى الفرّاء رحمه الله تعالى (توفي سنة526 هـ مقتولاً في بيته) في مُقدّمة اعتقاده يبيّنُ سبب تأليفه لهذا الكتاب:
قال رحمه الله:
((أما بعد، أعاذنا الله وإياك من التكلف لما لا نحسن، والادعاء لما لا نتقن، وجنبنا وإياك البدع والكذب، فإنهما شرّ ما احتقب، وأخبث ما اكتسب، فإنك سألت عن مذهبي وعقدي، وما أدين به لربي عز وجل، لتتبعه فتفوز به من البدع والأهواء المضلة، وتستوجب من الله عز وجل المنازل العلية، فأجبتك إلى ما سألت عنه، مؤملاً من الله جزيل الثواب، وراهباً إليه من سوء العذاب، ومعتمداً عليه في القول بالتأييد للصواب...)) الخ
فقد رأيتَ أنّ الإمام أبا الحُسين رحمه الله تعالى سُئل عمّا يدينُ لله به فأجاب رحمه الله عن هذا السؤال المُهمّ والخطير جواباً شافياً كافياً وما أشار إلى التصوّف ولا الصوفية ولو من بعيد.
وفي المُقابل ذكروا الزُّهدَ وحثّوا عليه.
فمن أمثلة ذلك ما جاء في كتاب السنّة للخلال (ج2/ص475) تحت رقم 750 :
أخبرنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبدالله وذكر عائشة أم المؤمنين فذكر زُهدها وورعها وعلمها فإنها قسمت مائة ألف كانت ترقع درعها وكانت ابنة ثمان عشرة سنة وكان الأكابر من أصحاب محمد عليه السلام يسألونها يعني عن الفقه والعلم مثل أبي موسى الأشعري وغيره يسألونها. اهـ
فهذه أربع فوارق بين الزُّهد والتّصوّف تكفي الواحدة منها إلى إنكار صلة هذا بذاك.
هذا آخر ما حضرني في هذه المسألة فإن أصبتُ فيها فمن الله وإن أخطأتُ فمنّي ومن الشيطان والله ورسوله منه براء ولله الحمد من قبل ومن بعد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
____________
(1) من مقدّمة الكتاب الماتع ((إدمان الطُروق لمعرفة الفُروق)) لأبي عمّار ياسر العدني، (ص7) دار الآثار، صنعاء، ط1 سنة1427هـ.
ثمّ قلتُ:
اعلم أخي الهيراني أنّ التفريق بين قديم التصوّف وحديثه بدعة منكرة وهو باب يلج منه كلّ صوفي خبيث فليس من الصوفية اليوم وقبل اليوم من يقرّ أنّه من أتباع التصوّف المتأخّر ... فقطع هذا الطريق وغلق هذا الباب أولى من فتحه أخي الكريم فافهم هذا بارك الله فيك.
ثمّ كيف تستنكر وصف السبكي بالوثني أو الصوفية أجمعين والوثن كلّ ما عبد من دون الله تعالى من أشجار وأحجار وأصنام وقبور ومن أهل العلم من قال أنّ الوثن ما عبد من دون الله ولم يكن مصوّراً ... وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد)) وليس في الصوفية بأسرها وطرقها المتشعّبة الكثيرة من لا يعبد القبور والشيوخ والأحجار ... وهذا تحدّ مفتوح لكلّ من يثبت خلاف هذا الكلام.
بل إنّ الصوفية بجميع طرقها قديمها وحديثها تجتمع على خصال منها:
1/المغالات في الشيوخ إلى حدّ العبادة لهم.
2/القول بوحدة الوجود والحلول.
وحتى الشيوخ المتقدّمين منهم أمثال السري السقطي والنخشبي والجنيد كانت عندهم بدع وأمور منكرة مبثوثة في كتب الصوفية وغير الصوفية فالنّاصح لأمّته لا يمجّد أمثال هؤلاء أبدا ولا يدلّس على النّاس أنّ الجنيد كان من سادات الأمّة ... فإنّه وإن كان كذلك فكلامه غير موجود إلا في كتب الصوفية وسواء صحّ عنه أو لم يصحّ فليس لنا الظفر به إلا في كتبهم وفيه من الضلال والبدع ما يندى له الجبين ...
فمن كان ناصحا فليمجّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصحابته وسادات الأمّة من التابعين وأتباع التابعين كالسفيانين والحمادين والأئمّة الأربعة والأوزاعي وابن المبارك وأمثال هؤلاء ... فإنّ كلامهم منقول عنهم بالأسانيد الجياد والصحاح الملاح وليس من أهل السنّة من طعن فيهم أو شكّك في حرف مما قالوه وأجمعوا عليه ...
فهذه نصيحة مني لك أخي الكريم أن تترك الثناء على الصوفية بطريقة مبطنة شعرتَ أو لم تشعر ... أخوك ومحبّك.
ثمّ قلتُ:
أخي الكريم أين شطحات أبي بكر وعمر ؟ أين سكرهم ؟ وماذا قالوا حال محوهم ؟ وهل ثبت عنهم شيء من هذا أصلا ؟؟
أنا لا أرى فرقا بين الاعتذار للضلال بمسألة (هذه من شطحات الشيوخ حال سكرهم) وبين قضيّة (حمل المجمل على المفصّل من كلام غير المعصوم) فكلا القاعدتين جاء بها من جاء ليحمي رأسه ورأس متبوعيه من سيف الحقّ أن يقطعه ...
وليس لك أن تستدلّ بكلام العلماء دون معرفة دليلهم وهل كلّ ما قاله علم ما يكون حقاً ؟؟؟؟
ولا تنس أخي الكريم ما قاله ابن القيّم رحمه الله عن الإمام الهروي رحمه الله: (شيخ الإسلام حبيب إلينا ولكنّ الحقّ أحبّ إلينا منه).
يا أخي إنّه لا صوفية في الإسلام وقد كان بيني وبينك هذا الكلام فأحبّ أن يقرأه الإخوة الأفاضل ويحكموا بالعدل:
'جامع الهيراني', on 07 May 2009 - 12:08, said:
جزاك الله خيرا.
والصوفية لا يقتدون بأئمة تلك الطريقة بل خالفوا .
قال شيخ الطريقة وإمام الطائفة الجنيد بن محمد رحمه الله: (( مذهبنا هذا مقيد بالأصول : بالكتاب والسنّة فمن لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ويتفقّه لا يقتدى به )) [إغاثة اللهفان ١/٣٢٥ ].
وقال أيضا : (( الطرق كلها مسدودة إلاّ طريق من إقتفى آثار النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عزّ وجلّ يقول " وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتي يدخلوا خلفك " )) وقال غيره ( كل عمل بلا متابعة فهو عيش النفس )). [طريق الهجرتين ص١٩].
'أبو عبد الله غريب الأثري', on 19 May 2009 - 17:23, said:
بارك الله فيك أخي الكريم الهيراني
وأنا عندي تحفّظ .. فالجنيد كانت له -إن صحّ عنه- شطحات وطوام.
وقد عزمتُ منذ فترة على جمع مادة بعنوان أبو القاسم الجنيد شيخ الطريقة بين الوهم والحقيقة وذلك ردا على من يزعم أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية قد زكى الصوفية الأول هكذا مطلقا
بارك الله في الجميع
'جامع الهيراني', on 20 May 2009 - 10:12, said:
الأخ الفاضل..أبا عبدالله..
الجنيد معروف عند العلماء فهو من الصالحين إن شاء الله وأما كونه صدرت منه شطحات كأن يقول : ماالجنّة إلاّ لعبة صبيان! أو سبحاني !أو مافي الجنّة إلاّ الله !فهذه الكلمات يعذر لصاحبه كما قال الإمام ابن القيّم (( هذا من الشطحات التي نهايتها أن يغفر له ويعذر لسكره وعدم تميزه في تلك الحال.)) [طريق الهجرتين ص٣٧].
وأما الإعتقاد بذلك في صحو فهي كفر! وزندقة!وبسببها قتل الحلاّج! ونفي أبويزيد البسطامي!.
'أبو عبد الله غريب الأثري', on 12 Jun 2009 - 20:33, said:
الأخ الكريم الهيراني بارك الله فيك وعليك وجعلك من عباده الصالحين
أخي الكريم أنا عندي تحفّظ في مثل هذه المصطلحات ((الشطح والصحو والمحو والفناء والبقاء )) وغيرها من المصطلحات الحادثة ولعلّك تراجع رسالة بعنوان ((قاعدة في الفناء والبقاء )) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ففيها تفصيل مثل هذه المصطلحات الحادثة الموهمة .
ولعلمك أخي الكريم فإنّ الشطحات التي عُرفت عند الصوفية لم يكن يعرفه سلفنا الصالح وما أحدثها الصوفية إلا لحماية رؤوسهم من سيف الحق أن يبترها فإذا صدر منهم كلاما يخالف الشرع بل يُبطله أو فعلوا فعلا يناقض أحكام الشرع صراحة تذرّعوا بمثل هذه المعاذير : إنا كنا سُكارى وما سكرنا إلا بعشق الحبيب المصطفى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فأنا عندي تحفّظ من هذه المصطلحات التي قد يعتذر بها بعض مشايخ السنّة وأئمّتنا لبعض الصوفية.
على كل حال فالجنيد قد أفضى إلى ما قدّم والله أعلم بسريرته ولسنا مطالبين بالخوص في مآله أو حاله بعد مماته ولكننا مطالبين ببيان أخطائه التي قد يضلّ البعض بسببها .
وقد يغترّ البعض بثناء بعض الأئمة عليه خاصة شيخ الإسلام ابن تيمية فأقول والله أعلم بالصواب:
لقد تتبعتُ ثناء شيخ الاسلام ابن تيمية على الجنيد فوجدته مقيدا غير مطلقا .
بمعنى أنّ شيخ الإسلام لا يثني على الجنيد ابتداءا وإنّما يثني عليه في باب ردّه على الصوفية الذين لا يفرّقون بين الخالق والمخلوق فيثني على مذهب الجنيد وطريقته من هذا الباب والذي ظهر لي والله أعلم بالصواب أنّ شيخ الاسلام يريد إقامة الحجّة على الصوفية الذين ينسبون أنفسهم إلى بعض الصالحين فيقول لهم: إن كنتم حقا صوفية فهذا شيخكم الجنيد كان على السنّة وعلى اعتقاد أهلها ولا يقول بمثل قولكم لا في حال صحوه ولا في حال سكره ... وهكذا .
ولكن إذا ذهبنا إلى تقرير شيخ الاسلام لاعتقاد السلف لا نجد شيخ الاسلام يقول وهذا اعتقاد الجنيد والمالك والأوزاعي وأحمد و و و ... بل لا يذكر الجنيد أصلا ... وإنّما يذكر أئمّة السنّة المعروفين ...
هذا الذي يظهر لي والله أعلم ولعلّي أكون قد قصّرتُ في البحث ولمن كان عنده اعتراض فليطرحه وله مني جزيل الشكر.
'جامع الهيراني', on 27 Sept 2009 - 11:50, said:
الجنيد رحمه الله من الذين عرفوا بقطع العلائق وتجريد الهمّة ودوام المراقبة وملاعاة الفرائض والسنن وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة.
هذه من وصايا كبار أهل التصوف الصحيح المتفق مع القرآن والسنة يوصون ويحثون بالمتابعة ويرون أن كل حال ووجد وذوق وشهود لا يشرق عليه نور العلم المؤيد بالدليل فهو من عبث النفس وحظوظها !ولهذا صغت قلوب كثير من علماء الإسلام إليهم وكانوا يستدلون بأقوالهم عند ذكرالسلوك والتربية كما ينقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم كثيرا وهذا تلميذه الإمام ابن القيّم يقول عند شرحه لكلام أبي العباس الشهير ب(ابن العريف)( ..والمقصود الكلام على علل المقامات وبيان مافيها من خطأ وصواب ،ولما كان أبو العباس قد تعرض لذلك في كتاب [محاسن المجالس] ذكرنا كلامه فيه ،وماله وماعليه .ثم ذكر بعد هذا فصلا في المحبة وفصلا في الشوق، فنذكر كلامه في ذلك ،وما يفتح الله به تتميما للفائدة ورجاء للمنفعة )). [طريق الهجرتين ص٣٥٢] إنتهى المراد.
وكان إبن العريف صوفيا أنظر ترجمته في [وفيات الأعيان] و[الاعلام].
'جامع الهيراني', on 01 Nov 2009 - 18:08, said:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( فمن سلك مسلك الجنيد من أهل التصوف والمعرفة كان قد إهتدى ونجا وسعد )). [الفتاوى ١٤/٣٥٥ ].
'أبو عبد الله غريب الأثري', on 13 Dec 2011 - 20:47, said:
نعم أخي الكريم هذا الذي نقلتَهُ عن شيخ الاسلام يوافق أشد الموافقة ما ذكرته لك ... فأنت ترى أنّ شيخ الاسلام قد خصّ أهل التصوّف والمعرفة بهذا الكلام ولم يقل فمن سلك مسلك الجنيد من أهل السنّة والجماعة أو من أهل الإسلام كان قد إهتدى ونجا وسعد ...
'أبو عبد الله غريب الأثري', on 13 Dec 2011 - 20:52, said:
أخي الكريم الفرقُ بيني وبينك أنّك ترى أنّ من التصوّف ما يوافق الكتاب والسنّة وهو الصحيح من التصوّف (!!!!)... أمّا أنا فأرى أنّ التصوّف من أساسه بدعة أمّا ما وافق فيه الكتاب والسنّة فهو من الكتاب والسنّة وكفى، فلا حاجة لنا إلى هذا المصطلح الدخيل على العربية وعلى الإسلام البتّة وهذا مضمون موضوعي المدوّن أعلاه.
قال الأخ الهيراني:
((أشكر الإخوة الكرام على مشاركاتهم.....
كلمة " الصوفية" أو" التصوف" جاء بعد إنسلاخ القرون المفضلة، في البداية كانت تعرف بأهل الزهد ثم أصبحت فيما بعد يستخدمها جماعات وطرق مضلة لا تتحاشى عن الحرام و{لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
وأنا أتكلم عن أهل التصوف القديم الصحيح وهْو الذي يثنى عليه ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله، و" التصوف" مصطلح مثل " العقيدة"، وأنا لم أقف على كلمة " عقيدة" في آية ولا حديث ولا استخدمها الرعيل الأول حسب علمى القصير، بل هو مصطلح متعارف عليها عندالمتأخرين.
وأقول لبعض الإخوة الذين يرون التصوف دخيلا، لكم الحق في ذلك فقد سبقكم بذلك بعض أهل العلم، لكن بعضهم أيضا يرون التفصيل وهو ماأجنح إليه.
وهناك تنبيه آخر، ينبغى أن نتقيد بأدب العلماء، هل من العلماء من وصف كلمة" وثني" بالوالد وماولد وهو السبكي الأب والإبن؟؟ لقد ناقش الإمامان -ابن رجب وابن الهادى- معهما ومااستخدما كلمة تدل على كفرهما أعنى السبكيين.....))
قلتُ:
العبرة أخي الكريم في اتّباع دليل العالم لا العالم في حدّ ذاته وإلا فهذه خصال الصوفية أنفسهم ((ألصقها في عالم ونم سالم)) فأنا أعلم أنّ من العلماء من فرّق في حكمه على الصوفية ففرّق بين متقدّميهم ومتأخّريهم ... والحقّ الذي لا مناص عنه ولا محيد أن لا صوفية في الإسلام بل ولا في العربية أصلا ... والأدلّة كثيرة على هذا وليس هذا مقام بيانها وإن شئتَ فهاك بعضها:
الفرق بين الزهد والتصوّف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنّ كثيراً من النّاس تختلط عليه كثيرٌ من المُصطلحات والمفاهيم فلذلك تجدهم يخلطون في التعبير عن الأمور التعبير الصحيح الدقيق.
وإنّ من المصطلحات التي طالما خلط بينها العوام وبعض طلبة العلم مصطلحي الزُّهد والتصوُّف .. حيث نجد كثيرا من النّاس لا يكاد يُفرّق بينهما فينتج على ذلك الخلط مدح المذموم وذمّ الممدوح !
وإنّ معرفة الفروق بين المصطلحات من أهمّ وأوكد العلم الذي ينيلُ به صاحبه، ويسهل عليه الفهم الصحيح للإسلام والسنّة وبالتالي القيام بنشر العلم الصحيح، وبالمقابل فإنّ عدم التمييز بين الأمور وعدم معرفة الفروق بينها مظنّة لزلّة القدم والوقوع فيما يُذمُّ عليه.
(وقد أولى علماؤنا بهذا الأمر –أي معرفة الفروق- اهتماماً كبيراً فتجد فروقاً كثيرة منثورة في كتبهم، بل إنّه يوجد من جمع الفروق في كتاب مستقل، كالقرافي في ((الفروق))، والعسكري في ((الفروق اللغوية))، ومنهم من تمنّى جمع ذلك في كتاب كابن القيّم رحمه الله، ومنهم من عقد فصلاً في ذلك كالسيوطي في ((الأشباه والنّظائر))، و((المزهر في علوم اللغة وأنواعها))، وابن قتيبة في ((أدب الكاتب))، وما ذاك إلا لأهمية الأمر، ومعرفته يُعدُّ من المهمّات في مواضع ومن المُلح في مواضع أخرى) (1) وهو في هذا الموضع من المهمّات لأنّ كثيراً من الصوفية الدجاجلة يُمرّرون دجلهم وهراءهم عن طريق التلبيس والتدليس ومن ذلك تلبيسهم على العوام وإيهامهم أنّ التصوّف يعني الزُّهد !
فإدا سمع العوام ذلك ونظروا في سيرة السلف الصالح وتراجم رجالهم وجدوا: فلان الفلاني الزاهد العابد... فيظنّون أنّ فلاناً من السلف كان صوفياً لما ترسّخ في عقولهم وأذهانهم أنّ الزُّهد هو هو التصوّف ! وهذا ما يرمي إليه الصوفية .. إيهام النّاس أنّ دجلهم من عمل السلف الصالح وأنّهم ما ورثوا ما هم عليه إلا منهم !!
فانظر مثلا إلى هذا المدعو محمّد عفيف الزعبي حين قال في تعليقه على كتاب ((الإتحافات السَنيّة بالأحاديث القدسيّة)) للصوفي الكبير عبد الرؤوف المناوي تلميذ الصوفي الدجّال عبد الوهّاب الشعراني، قال المعلّق على الكتاب تحت الحديث رقم 48 (ص27) ((إنّي حرّمتُ الظلم على نفسي ...)) الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه: ((راويه هو إمام أهل الصوفية الذي قيل فيه: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة منه)) اهـ !!!
هكذا قال –عامله الله بعدله- وهو يعني بكلامه هذا الصحابي الجليل أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه لما اشتُهر به رضي الله عنه من زهد في الدنيا وانقطاع عنها إلى الآخرة!!!
وهذا جهل منه أو مكر وخذيعة فإنّ أوّل من سُمّي بالصوفي: أبو هاشم الكوفي المتوفّى سنة 150 هـ كما ذكر ذلك صاحب كتاب ((كشف الظنون 1/222)) وكذلك ذكر السيوطي في أوائله. فكيف ينسب هذا المُفتري صحابياً جليلاً إلى دنس التصوّف وزبالة الصوفية ؟!
يقول الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله: ((وبهذا ندرك أنّ إدخال الصحابة في زمرة الصوفية –كما يفعل بعض مؤرخي الصوفية- فيه عدوان على الحقيقة والحقّ والتاريخ)). (نظرات في التصوّف، عبد الرحمن الوكيل، مجلّة الهدي النّبوي عدد 10 سنة 1379هـ)
ولأجل ذلك وجدتني مُتحمّساً لأجمع في هذه الأسطر القليلة بعض الفروق بين مُصطلحي الزُّهد والتصوّف حتى يحي من حي عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.
أخوكم: أبو عبد الله غريب الأثري القسنطيني.
02/08/2008م
أولى تلك الفروق:
إنّ الزُّهد قد جاءت به أحاديث نبويّة صحيحة كالحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك)).
أمّا التصوُّف فلم يرد لا في الكتاب ولا في السنّة ولا في كلام السلف الصالح وإنّما هو اصطلاحٌ دخيلٌ على الإسلام والمُسلمين ومن زعم خلاف هذا فليُتحفنا بالدليل الصحيح –وهيهات-
ثانياً: الزُّهدُ معروفٌ من ناحية اللغة العربية ومعناه كما ذكر ذلك الراغب الأصفهاني في مُفرداته (ص220 المكتبة التوفيقية): ((زهد: الزّهيد الشيء القليل، والزّاهدُ في الشيء الرّاغبُ عنهُ والرّاضي منه بالزّهيد أي القليل: ((وكانوا فيه من الزّاهدين)) اهـ
إذن فالزّاهد في الدنيا الراغبُ عنها والراضي منها بالقليل وهو معنى الحديث المُتقدّم آنفاً.
أمّا التصوّف فهو كلمة أعجمية لا أصل لها في لغة العرب، ومهما حاول المُبطلون أن يُزوّروا الحقائق ويقلبوها فلن يجدوا لهذه الكلمة في قواميس اللغة العربية ومعاجمها معنى ولا اشتقاق !
وهذا تحد منّي مفتوح لكل صوفي سوّلتْ لهُ نفسُه ادّعاء خلاف هذا أن يجد من كلام العرب ما يُشيرُ ولو من بعيد لأصل اشتقاق هذه الكلمة (صوفي) أو (التصوّف) أو (متصوّف)، وأنّى له ذلك وإمام الصوفية وواضع ركائز الدّين الصوفي عبد الكريم القُشيري يُؤكّدُ هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان كثير من المنتسبين للتصوّف –إن كانت لهم أذهان- فيقول بالحرف الواحد: ((وليس يشهدُ لهذا الاسم –صوفي- من حيث العربية قياس، ولا اشتقاق. والأظهر فيه أنّه كاللقب)) اهـ (الرسالة للقشيري ص126)
ويقول حسن رضوان كما في كتاب ((روض القلوب)):
وقد جرى من حيث الاشتقاق **** في لفظة التصوّف النّفاق
وكل ذي قول له توجيه **** لقوله في نفسه وجيه
لكن القياس والقواعد**** في جملة الأقوال لا تُساعد
والبعض منهم قد يقوى قوله **** بالأخذ من صّوف بلبسهم له
فقوله هذا، وإن يكن وجد **** له قياس في كلامهم عهد
لكن أهل الحقّ لم يختصّوا **** بلبسه، ولا عليه نصّوا
فالأحسن التسليم في أقوالهم **** لهم وفيما كان من أحوالهم
أقول هذا بملئ فيَّ وأنا على يقين من أنّ هذه الكلمة أعجمية يونانية وهي كلمة مُعرّبة من كلمة سوفيا أو صوفيا (sofia) وهي تعني بلغة الإغريق ((الحكمة)) ومنه الفلسفة (philasofia) أي حبّ الحكمة، فـ (phila) تعني: حب، و (sofia) تعني: الحكمة.
هذا وقد قال بهذا الكلام جمعٌ كبيرٌ من أهل العلم أذكرُ منهم من قرأتُ لهم شخصياً تقرير ما سبق من أصل اشتقاق كلمة صوفي: العلامة البشير الإبراهيمي ، والعلامة مبارك الميلي كما في كتابه تاريخ الجزائر، والعلامة عبد الرحمن الوكيل، والعلامة محمّد جميل غازي، والعلامة إحسان إلهي ظهير رحمهم الله أجمعين.
وقرّر ذلك أيضاً المؤرّخ البيروني في كتابه ((تحقيق ما للهند من مقولة ص16) وهو في معرض الكلام عن معتقدات حكماء اليونان والهند التي تهدفُ إلى إثبات وَحدة الوجود، ثمّ عقب على هذا بقوله: ((وهذا رأي الصوفية)). انظر (نظرات في التصوّف، عبد الرحمن الوكيل، مجلّة الهدي النّبوي عدد 10 سنة 1379هـ) و (عبد الرحمن الوكيل وقضايا التصوّف، ص16-23 فتحي أمين عثمان) و (التصوّف المنشأ والمصادر، إحسان إلهي ظهير) و (هذه هي الصوفية، عبد الرحمن الوكيل) و (الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان، ابن تيمية) وغيرها.
ثالثاً: إنّ السلف ذمّوا التصوّف ولم يذمّوا الزّهد بل قد صنّفوا فيه كُتُباً فمن ذلك:
· كتاب ((الزهد)) لعبد الله ابن المبارك.
· كتاب ((الزهد)) لأحمد ابن حنبل.
· كتاب ((الزهد)) للبيهقي.
· ((كتاب الزهد)) من سنن ابن ماجه.
قال رحمه الله تعالى (ج2/ص1373) باب الزهد في الدنيا:أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك)) حديث رقم 4102 قال الإمام الألباني: صحيح.،
· ((كتاب الزهد)) من سنن الترمذي (4/550)
· ((كتاب التوبة والزهد)) من الترغيب والترهيب للمنذري.
وغيرها من الكُتُب والمُصنّفات.
أمّا التصوّف فلم يذكروه في مُصنّفاتهم ولا في مُؤلفاتهم فضلاً أن يخصّوه بمصنّف مُستقل ! فما سمعنا ولا رأينا ولا قرأنا كتاباً لأحد من السلف بعنوان ((كتاب التصوّف)) ؟؟!!
وكلُّ خير في اتباع من سلَف **** وكلُّ شر في اتّباع من خلَف
رابعاً: قد كتب أئمّة السلف أئمّة الحديث والسنّة كُتُباً مُطوّلة ومُختصرات ذكروا فيها ما يجب على المرء أن يدين لله به ونصّوا في مُقدّماتهم أنّ ما ذكروه في هذه الكُتُب هو بمثابة سفينة نوح التي من تأخّر عنها غرق في بحر الظلمات والشبهات.
فمن تلك الكُتُب التي تُعدُّ أصول اعتقاد السلف أهل الحديث والأثر: ((أصول السنّة)) للإمام أحمد ابن حنبل، و((السنّة)) لابنه الإمام عبد الله، و((صريح السنّة)) للإمام الطبري، و((الإبانة عن أصول السنّة والديانة)) للإمام ابن بطّة العُكبُري، و((شرح السنّة)) للإمام البربهاري، و((الإبانة عن أصول الديانة)) لأبي الحسن الأشعري، و((الشريعة)) للإمام الآجرّي، و((السنّة)) للإمام الخلال، و((الاعتقاد)) للإمام أبي الحسين بن أبي يعلى الفرّاء، و((شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة)) للإمام اللالكائي، و((السنّة)) للإمام ابن أبي عاصم و((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) للإمام أبي عثمان الصابوني -رحم الله الجميع- وغيرها من الكُتُب. فما نصّوا ولا ذكروا بل ولا أشاروا ولو إشارات خفيّة –إن صحّ التعبير- إلى استحباب انتحال دين التصوّف بله وجوبه، وإليك أخي القارئ الكريم فقرة من كلام الإمام أبي الحسين محمّد بن القاضي أبي يعلى الفرّاء رحمه الله تعالى (توفي سنة526 هـ مقتولاً في بيته) في مُقدّمة اعتقاده يبيّنُ سبب تأليفه لهذا الكتاب:
قال رحمه الله:
((أما بعد، أعاذنا الله وإياك من التكلف لما لا نحسن، والادعاء لما لا نتقن، وجنبنا وإياك البدع والكذب، فإنهما شرّ ما احتقب، وأخبث ما اكتسب، فإنك سألت عن مذهبي وعقدي، وما أدين به لربي عز وجل، لتتبعه فتفوز به من البدع والأهواء المضلة، وتستوجب من الله عز وجل المنازل العلية، فأجبتك إلى ما سألت عنه، مؤملاً من الله جزيل الثواب، وراهباً إليه من سوء العذاب، ومعتمداً عليه في القول بالتأييد للصواب...)) الخ
فقد رأيتَ أنّ الإمام أبا الحُسين رحمه الله تعالى سُئل عمّا يدينُ لله به فأجاب رحمه الله عن هذا السؤال المُهمّ والخطير جواباً شافياً كافياً وما أشار إلى التصوّف ولا الصوفية ولو من بعيد.
وفي المُقابل ذكروا الزُّهدَ وحثّوا عليه.
فمن أمثلة ذلك ما جاء في كتاب السنّة للخلال (ج2/ص475) تحت رقم 750 :
أخبرنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبدالله وذكر عائشة أم المؤمنين فذكر زُهدها وورعها وعلمها فإنها قسمت مائة ألف كانت ترقع درعها وكانت ابنة ثمان عشرة سنة وكان الأكابر من أصحاب محمد عليه السلام يسألونها يعني عن الفقه والعلم مثل أبي موسى الأشعري وغيره يسألونها. اهـ
فهذه أربع فوارق بين الزُّهد والتّصوّف تكفي الواحدة منها إلى إنكار صلة هذا بذاك.
هذا آخر ما حضرني في هذه المسألة فإن أصبتُ فيها فمن الله وإن أخطأتُ فمنّي ومن الشيطان والله ورسوله منه براء ولله الحمد من قبل ومن بعد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
____________
(1) من مقدّمة الكتاب الماتع ((إدمان الطُروق لمعرفة الفُروق)) لأبي عمّار ياسر العدني، (ص7) دار الآثار، صنعاء، ط1 سنة1427هـ.
ثمّ قلتُ:
اعلم أخي الهيراني أنّ التفريق بين قديم التصوّف وحديثه بدعة منكرة وهو باب يلج منه كلّ صوفي خبيث فليس من الصوفية اليوم وقبل اليوم من يقرّ أنّه من أتباع التصوّف المتأخّر ... فقطع هذا الطريق وغلق هذا الباب أولى من فتحه أخي الكريم فافهم هذا بارك الله فيك.
ثمّ كيف تستنكر وصف السبكي بالوثني أو الصوفية أجمعين والوثن كلّ ما عبد من دون الله تعالى من أشجار وأحجار وأصنام وقبور ومن أهل العلم من قال أنّ الوثن ما عبد من دون الله ولم يكن مصوّراً ... وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد)) وليس في الصوفية بأسرها وطرقها المتشعّبة الكثيرة من لا يعبد القبور والشيوخ والأحجار ... وهذا تحدّ مفتوح لكلّ من يثبت خلاف هذا الكلام.
بل إنّ الصوفية بجميع طرقها قديمها وحديثها تجتمع على خصال منها:
1/المغالات في الشيوخ إلى حدّ العبادة لهم.
2/القول بوحدة الوجود والحلول.
وحتى الشيوخ المتقدّمين منهم أمثال السري السقطي والنخشبي والجنيد كانت عندهم بدع وأمور منكرة مبثوثة في كتب الصوفية وغير الصوفية فالنّاصح لأمّته لا يمجّد أمثال هؤلاء أبدا ولا يدلّس على النّاس أنّ الجنيد كان من سادات الأمّة ... فإنّه وإن كان كذلك فكلامه غير موجود إلا في كتب الصوفية وسواء صحّ عنه أو لم يصحّ فليس لنا الظفر به إلا في كتبهم وفيه من الضلال والبدع ما يندى له الجبين ...
فمن كان ناصحا فليمجّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصحابته وسادات الأمّة من التابعين وأتباع التابعين كالسفيانين والحمادين والأئمّة الأربعة والأوزاعي وابن المبارك وأمثال هؤلاء ... فإنّ كلامهم منقول عنهم بالأسانيد الجياد والصحاح الملاح وليس من أهل السنّة من طعن فيهم أو شكّك في حرف مما قالوه وأجمعوا عليه ...
فهذه نصيحة مني لك أخي الكريم أن تترك الثناء على الصوفية بطريقة مبطنة شعرتَ أو لم تشعر ... أخوك ومحبّك.
ثمّ قلتُ:
أخي الكريم أين شطحات أبي بكر وعمر ؟ أين سكرهم ؟ وماذا قالوا حال محوهم ؟ وهل ثبت عنهم شيء من هذا أصلا ؟؟
أنا لا أرى فرقا بين الاعتذار للضلال بمسألة (هذه من شطحات الشيوخ حال سكرهم) وبين قضيّة (حمل المجمل على المفصّل من كلام غير المعصوم) فكلا القاعدتين جاء بها من جاء ليحمي رأسه ورأس متبوعيه من سيف الحقّ أن يقطعه ...
وليس لك أن تستدلّ بكلام العلماء دون معرفة دليلهم وهل كلّ ما قاله علم ما يكون حقاً ؟؟؟؟
ولا تنس أخي الكريم ما قاله ابن القيّم رحمه الله عن الإمام الهروي رحمه الله: (شيخ الإسلام حبيب إلينا ولكنّ الحقّ أحبّ إلينا منه).
فقال الأخ الهيراني:
أنا لا أرى فرقا بين الاعتذار للضلال بمسألة (هذه من شطحات الشيوخ حال سكرهم) وبين قضيّة (حمل المجمل على المفصّل من كلام غير المعصوم) فكلا القاعدتين جاء بها من جاء ليحمي رأسه ورأس متبوعيه من سيف الحقّ أن يقطعه ...أبو عبد الله غريب الأثري.... أخي أنت أكثر الردود على الصوفية بأسرهم،، حتي تكاد تصبح سيفا مسلولا عليهم...{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}))
ثمّ قال الأخ الهيراني معلّقا على كلام لبعض الإخوة:
((فإذا كان الأمر مما أكدتم به ألآ وهو ذم الصوفية والتصوف بإكملها فما
قولكم- إن قال قائل- في ثناء الإمامين ابن تيميّة وابن القيّم على بعض
الصوفية والتصوف، وماقولكم أيضا ثناء بعض أعيان الصوفية مثل محمد بن
إسماعيل البخاري الدمشقي صاحب رسالة "القول الجلي في ترجمة ابن تيمية
الحنبلي" وكذلك ابن ناصر الدمشقي صاحب كتاب "الرد الوافر..." الذين أثنوا
على ابن تيمية... أريد جوابا منصفا بعيدا عن مئارب أخرى...
وأنا لم أخرج على ماأكد به الإمامان ابن تيمية وابن القيّم فهل نقول إنهما يروجان الشرك والبدعة؟ ... وأنا أتعجب من جرئة بعض الإخوة في الكلام والأسلوب وعدم تحمل النقاش الهادى والإسراع إلى لصق التهم،، ))
فأجبته قائلا:
الجواب: لقد ذكرتُ لك وقلتُ لك إنّ ثناء الأئمّة ابن تيمية وابن القيّم
وغيرهما على بعض المنسوبين إلى التصوّف لا يعني الثناء على التصوّف
والصوفية ... يا أخي أنا تحدّيتُ من يأتي لي بثناء ابن تيمية على واحد من
الصوفية استقلالاً أو ابتداءاً ... بمعنى: هل وجدتَ في كتب العقيدة التي
صنّفها ابن تيمية الحضّ على سلوك منهج الجنيد مثلاً ؟؟؟ أبداً ما كان
ذلك... وإنّما يثني عليه شيخ الإسلام ويحضّ على التأسي به في مقابل ردّه
على الصوفية أنفسهم ويكأنّه يقول لهم: إذا كنتم تنتسبون إلى الجنيد وابن
أدهم ومعروفاً الكرخي والداراني وغيرهم من المشايخ فلماذا لم تتأسّوا بهم
في تفريقهم بين الخالق والمخلوق وفي إثباتهم الصفات لله ربّ العالمين ؟
فهذا الأسلوب في المحاججة معروف ومعلوم ومثلهُ لو قلتَ لمالكي أو شافعي أو
حنفي أو حنبلي متعصّب جامد الذهن مقفل العقل ضيّق الصدر لو قلتَ له: إذا
كنت تزعم انتسابك لهذا الإمام فهاهو إمامك هذا يقول مثلا كذا وكذا فلماذا
خالفته وأنت تزعم الانتساب إليه والسير في طريقه ؟؟ أو تقول لمالكي أشعريّ
مثلا إذا كنت مالكياً حقا فلماذا حدتَ عن منهج إمامك في الاعتقاد ثمّ تسرد
له شيئاً من حسن اعتقاده وموافقته للسنّة والجماعة ... فهذا بذاك أخي
الكريم ...
فليس غرض ابن تيمية من الثناء على الجنيد ومن معه حثّ المسلمين على السير على منهجه وسلوك طريقته ... مع الحفاظ على كرامة الجنيد والتماس المعاذير له والترحّم عليه كما هو خلق ابن تيمية الرحيم.
قال ابن تيمية في اللامية:
هذا اعتقاد الشافعي ومالك **** وأبي حنيفة ثمّ أحمد ينقل
فإن اتّبعت سبيلهم فموفّق **** وإن ابتدعتَ فما عليك معوّل
وليس في هؤلاء الأربعة من أثنى على التصوّف والصوفية أبداً فثبت ما قلته لك.
فليس غرض ابن تيمية من الثناء على الجنيد ومن معه حثّ المسلمين على السير على منهجه وسلوك طريقته ... مع الحفاظ على كرامة الجنيد والتماس المعاذير له والترحّم عليه كما هو خلق ابن تيمية الرحيم.
قال ابن تيمية في اللامية:
هذا اعتقاد الشافعي ومالك **** وأبي حنيفة ثمّ أحمد ينقل
فإن اتّبعت سبيلهم فموفّق **** وإن ابتدعتَ فما عليك معوّل
وليس في هؤلاء الأربعة من أثنى على التصوّف والصوفية أبداً فثبت ما قلته لك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق