مرحباً بكم على مدوّنة ((الغريب الأثري)) تابعوا معنا آخر المقالات والمواضيع. نتمنى لكم متابعة ممتعة ومفيدة..

الأربعاء، 31 يوليو 2013

:: القول المبين في حكم القنوت في صلاة الصبح والردّ على شمس الدين الزائغ المهين ::

""ولا تقنت في الفجر، إلا أن يدهم المسلمين أمرٌ من عدوّهم، فيقنتُ الإمامُ، فتتبَعُهُ"". (ابن بطّة العكبري، الإبانة الصغرى 298)

""عن أبي مجلد قال صليت خلف ابن عمر فلم يقنت فقلت ما منعك من القنوت ؟! قال إني لا أحفظه عن أحد من أصحابي"" رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
و""عن عبد الله بن مسعود أنه كان لا يقنت في صلاة الغداة (الصبح) وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركعة وفي رواية عنه أيضا قال كان عبد الله لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر قبل الركعة"" رواهما الطبراني في الكبير إسنادهما حسن.اهـ
(الهيثمي، مجمع الزوائد (2/137) باب القنوت)
((إنّ التعالم هو عتبة الدّخول على القول على الله بلا علم، بل: إنّ التعالُم، والشُذوذَ، والترخُّصَ، والتعصُّبَ، كُلُّها منافذُ تُؤدّي إلى جُرم القول على الله تعالى بلا علم)). (بكر أبو زيد، التعالم وأثره على الفكر والكتاب، ص129)





الحمد لله وبعد:
فقد اطلعت على مقالة آثمة خالية من العلم والأدب للمدعو (شمس الدين بوروبي) الكاتب في الجريدة المرحاض (العربي!) وذلك في جريدة الفتنة ونشر الرذيلة "الشروق" (الأفول) - التي أتاحت له الفرصة هي الأخرى ليقضي فيها حاجته!فأحسن وأجاد !!- العدد 2076 الإثنين 20 أوت 2007م الموافق لـ 07 شعبان 1428هـ.

وكان عنوان المقالة: استحباب القنوت في صلاة الصبح: كتبه: شمس الدين، الثلاثاء الواحدة ليلا بعد منتصف الليل 24 جويلية.
وجاء في مقدّمة هذه المقالة (المهزلة!) ما يلي:
لا تزال –الطائفة المنحلّة- عندنا تثير فتناً لا نهاية لها في بيوت الله زاعمة تقليداً لمشايخها أنّ القنوت في صلاة الصبح بدعة منكرة يجب إزالته بل جعلوه من أسباب الجرح والتعديل.
فالإمام الذي يقنت عندهم من المبتدعة المجروحين ولذلك أحببت أن أبيّن مستند مالك والشافعي في المسألة حتى يتبين للنّاس أنّ –المتحنبلة- ما هم إلا مشاغبون فتانون يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف وسيتضح أنّ من يقنت في صلاة الصبح قد أحيا سنّة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعن صحابته الكرام وعن السلف الصالح وأنّ السعي لإبطالها ما هو إلا سعي لإبطال سنّة تحت غطاء السنّة.اهـ


نعوذُ بالله من أُناس ***** تَشَيّخوا قبلَ أن يَشيخوا

وقال آخر:
يمدّون للإفتاء باعاً قصيرةً **** وأكثرُهم عند الفتاوي يُكذلكُ


لقد فات المجتهد (!) طمس الدين أن يذكر لقرّاءه الأوفياء -أو الأغبياء- كلام الإمام أحمد والإمام أبي حنيفة وغيرهما من الأئمّة المحقّقين في المسألة، فهذا أقرب إلى روح البحث العلمي النزيه!
وما الذي جعل المجتهد (!) طمس الدين يغض الطرف عن ذكر كلام إمامين عظيمين من أئمة الفقه الإسلامي ؟!
ألا يُعتبرُ هذا الفعل الخسيس من طمس الدّين المهين خيانة علمية وجناية فقهية ؟!
ثمّ، من خوّل لشمس الذّين هذا (بالذال!) أن يتكلّم في الأمور العلمية والمسائل الفقهية والإعتقادية ؟!
من زكّاه من الشيوخ يا تُرى ؟!
من هم شيوخه ؟!
من هم تلاميذه ؟!
أين مؤلّفاته ؟!
من أين أصله بل من أيّ شيء هو ؟؟!!

قال ربيعة رحمه الله تعالى: ((ولبعضُ من يُفتي ههنا أحقُّ بالحبس من السُّرّاق)) !!

لقد خرج علينا هذا الخُنفشاريُّ المُتعالم الصوفي القبوري الجهمي الضال فجأة من غير سابق إنذار ومن غير دعوة من أهل الدّار (الجزائر) !

قال الإمام الأوزاعيُّ رحمه الله: ((كان هذا العلمُ كريماً بمُلاقاة الرجال فلمّا صار في الكُتُب، صرتَ تَجدُهُ عند العبد والأعرابي)).

فبأيّ صفة يتكلّم هذا الشيء عمّن يُسمّيهم بالطائفة المنحلّة ؟!

ثمّ من الذي حلّها ؟! أو لعلّه يقصدُ بالمنحلّة المنحلّة أخلاقيا ؟! سواء كان قصدهُ هذا أم ذاك فالله الموعد، ولستُ من يمثّل هذه الطائفة -الناجية عند العلماء المنحلّة عند طمس الدّين وأمثاله السفهاء- ولكنّي أغار على حُرُمات الله أن تُنتهك وعلى دينه أن يُهان وعلى سنّة نبيّه أن تُشَوَّهَ.

وكيف لا تأخذني الغيرة وأنا أسمع هذا الجاهل الضال يقع في أعراض كبار العلماء بل في أعراض من لم تلد النّساء بعدهم مثلهم من الرّجال ؟!
كيف لا ينفجر بركان الغضب في وجه من يسبّ أولياء الله -الحقيقيين لا أولياءه المزعومين المُزيَّفين- ؟!
إنّ الذي يسمعُ من يطعنُ في مثل الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ورضي عنه وأرضاه ثمّ لا يُحرّك ساكنا ولا ينطقُ ببنت شفا أنا أعتقدُ أنّه وصل إلى دركة بعيدة جدا من الضياع والضلال، ونعوذُ بالله من أن نسكُتَ عمّن يفعلُ ذلك فضلا عن أن نُقرّه، ولقد صدق من قال: من أمن العقاب أساء الأدب.

أمّا اتهام هذا الجاهل الضال للسلفيين بالتقليد فمردود على وجهه القبيح وهو كذبٌ محض.
وقد أحسن من قال:


لـي حـيلةٌ فيمن ينمُّ **** وليس في الكذّاب حيلة
من كان يخلُقُ ما يقولُ **** فحيـلتي فـيه قليـلة


وقد كُنتُ جمعتُ بحثاً مُختصراً حول التقليد والتمذهب وأسميتُهُ ((ماذا نفعل إذا خالف المذهب المالكي الحديث الصحيح )) وهو منشور على الشبكة وما جمعتهُ إلا ردّاً على هذا الجهمي الضال طمس الدّين وزميله في الغيّ بن بريكة، والعجيب في الأمر أنّ الرَّجل –أقصد طمس الدّين- كان –ولا يزال- يوجبُ على الجزائريين التقليد والتمذهب بالمذهب المالكي دون ما سواه من المذاهب فما باله هاهنا يُنكرُ عليهم تقليد شيوخهم –المُتحنبلة !- على حدّ تعبيره !!! إنّه التناقض والله.

وقد صدق من قال:


إنّ الأمورَ إذا الأحداثُ دَبَّرها ***** دون الشيوخ ترى في سيرها الخللا
وقال آخر:
إذا غاب ملاّح السفينة وارتَمَتْ ***** بها الرّيحُ يوماً دبّرتها الضفادعُ


أمّا كون السلفيين يُجرّحون ويُبدّعون الإمام الذي يقنت في صلاة الصبح ففي أحلامه، وهب أنّ ذلك وقع من بعض عوامّهم فإنّ الحكم على السلفية من خلال فعل بعض عوام السلفيين ظُلمٌ للسليفة مبين.

وكما قيل: ((لا بُدَّ في التّمر من سُلاّء النَّخل، وفي العسل من إبَر النّحل)).

ولو استجزنا هذا الصنيع –الطعن في السلفية باعتبار أعمال عوامّها- من طمس الدّين المهين لطعنّا في الإسلام والمُسلمين !!!


وليعلم القارئ الكريم أنّ عكس ما يفتريه طمس الدّين هو الواقع الذي ما له من دافع!
فالإمام الذي لا يقنُتُ في صلاة الصبح –عندنا في الجزائر- هو المُعرّض للتبديع والتجريح والفصل من منصبه !!!
ولا أزالُ أذكُرُ كيف كان يثورُ المُصلّون في وجه –ومن وراء ظهر- شيخنا أبي عبد الرحمن –وفقه الله- لأنّهُ كان لا يقنُتُ في صلاة الصبح أو على الأقل لا يُداوم على القنوت فيها.
وتعرّض غيره من أئمّة المساجد السلفيين في قسنطينة للفصل من مناصبهم لترك القنوت في صلاة الصبح.
رئ
وهذا الأمرُ منتشرٌ في كلّ مكان استشرى فيه التقليد والتعصّب المذهبيُّ وقلة الفقه في الدّين فها هو الشيخ العلامة الإمام محمّد تقي الدّين الهلالي عليه رحمة الله يحكي ما جرى له في العراق بسبب تركه للقنوت في صلاة الصبح فيقول كما في كتابه الماتع ((الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة)): ((ولم يكن عند أولئك القوم شرك ظاهر أعني أهل السنة منهم -وهم قليل- وأكثر سكان القرية من الشيعة، ولكن كان فيهم جمود على التقليد والتعصب للمذهب مع جهلهم فالمتعصبون للمالكية غضبوا بسبب تركي القنوت في صلاة الصبح ...)) .

وجاء في ترجمة ((عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفرّاء)) في ((السير17/ 477)): أنه كان يصلّي بالناس في مسجد عبد الله سبعين سنة، وكان شافعياً يقنُتُ، فأمّ بعده رجلٌ مالكي، وجاء الناس على عادتهم، فلم يقنُت، فتركوه وانصرفوا، وقالوا لا يُحسنُ يصلّي !! اهـ



عجبتُ لمُبتاع الضلالة بالهُدى **** وللمُشتري دُنياهُ بالدّين أعجَبُ
وأعجبُ من هذين من باع دينَهُ **** بدُنيا سواهُ فهو من ذَيْن أعجَبُ

وقال منصور الفقيه المُتوفّى سنة 306 هـ:
وقـال الطّانزونَ له فقيه **** فصعّدَ حاجبيه بـه وتاهـا
وأطرَقَ للمسائل أيْ بأنّي **** ولا يدري لعمرُك ما طحاها


عودةً إلى أصل الموضوع: إنّ من المعلوم لدى طلبة العلم أنّ مسألة القنوت في صلاة الصبح من المسائل المختلف فيها عند الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً. وهذا الخلاف ليس من أسباب التبديع والتجريح والهجران كما زعم ذلك الكذّاب المدعو طمس الدّين ! وسيأتي النّقل عن أهل العلم الكبار ما يؤكّدُ ذلك.

ومن المعلوم أنّ الحقّ واحد لا يتعدّد، فمُحالٌ أن يكون كلا القولان –المتعارضان والمتضادّان- في المسألة الواحدة صواب.

ومن المعلوم كذلك أنّنا مؤمورون بالرجوع إلى الكتاب والسنّة وعمل سلف الأمّة في كلّ قضيّة تعرُضُ لنا.

وهذا ما سأُحاول جمعهُ في هذه العجالة –من كلام العلماء المتقدّمين والمتأخرين- لبيان حكم المُداومة على القنوت في صلاة الصبح وجعله سنّة رتيبة يأثم تاركها ويسجد للسهو ناسيها !
وقبل الشروع في ذلك فهذه تسمية من كان لا يرى المداومة على القنوت في صلاة الصبح من العلماء قديما وحديثا حتى يعلم القارئ الكريم من المقصود بالطائفة المنحلّة في كلام الشيخ (!) طمس الدّين !! :

1- أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه
2- عمر بن الخطّاب رضي الله عنه
3- عثمان بن عفّان رضي الله عنه
4- علي بن أبي طالب رضي الله عنه
5- طارق بن أشيم رضي الله عنه والد أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه.
6- أبو مالك الأشجعي رضي الله عنه.
7- ابن عبّاس رضي الله عنهما
8- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
9- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
10- عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما
11- سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم
12- الإمام سعيد بن جُبير
13- الإمام إبراهيم النخعي
14- الإمام الزهري
15- الإمام علقمة
16- الإمام الأسود
17- الإمام عبد الله بن المبارك
18- الإمام ابن شبرمة
19- الإمام طاووس بن كيسان وأبيه كيسان
20- الإمام سفيان الثوري
21- الإمام أبو حنيفة النعمان
22- الإمام يحي بن سعيد القطّان
23- الإمام مسدد بن مسرهد
24- الإمام الليث بن سعد
25- الإمام يحي بن يحي الليثي
26- الإمام أحمد بن حنبل
27- الإمام إسحاق بن راهويه
28- الإمام الطحاوي
29- الإمام ابن بطّة العُكبُري
30- الإمام يحي بن عمر (المالكي)
31- الإمام ابن الهمّام
32- الإمام ابن الجوزي
33- شيخ الإسلام ابن تيمية
34- الإمام ابن القيّم
35- الحافظ الزيلعي (صاحب نصب الراية)
36- العلامة حسين بن الإمام محمّد بن عبد الوهاب
37- العلامة عبد الله بن الإمام محمّد بن عبد الوهاب
38- الإمام الشوكاني
39- الإمام محمّد صدّيق حسن خان
40- العلامة مرعي بن يوسف الكرمي صاحب (دليل الطالب)
41- العلامة إبراهيم بن محمّد بن سالم بن ضويّان (صاحب منار السبيل)
42- الإمام محمّد بن إبراهيم آل الشيخ
43- الإمام الألباني
44- الإمام ابن باز
45- العلامة عبد الرزّاق عفيفي
46- الإمام ابن عثيمين
47- العلامة صالح الفوزان
48- أصحاب الفضيلة العلماء أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة السعودية حرسها الله تعالى.
49- الشيخ سيّد سابق صاحب كتاب: ((فقه السنّة)).
50- العلامة محمّد علي فركوس.

وغيرهم من العلماء رحم الله ميّتهم وحفظ الله حيّهم ورضي عن الجميع.

فكلّ هؤلاء العلماء والأئمّة الفقهاء أغفل ذكرهم الرويبضة طمس الدّين تلبيسا على العوام وتدليسا عليهم حتى يظنّ العامّي المسكين أنّ القنوت في صلاة الصبح سُنّة ماضية يُريد السلفيّون تعطيلها !! من باب الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف كما وصمهم طمس الدّين المهين!!



********

إنّ المتتبع للآثار التي استدلّ بها المُجيزون للمداومة على القنوت في صلاة الصبح يجدها لا تخرج عن ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: آثار أثبتت القنوت مطلقا غير مقيّد بصبح ولا شيء. فهذا القسم لا يهمُّنا وليس هو محلّ البحث.
ومثله استدلال بعضهم على القنوت في صلاة الصبح بقوله تعالى: ((وقوموا لله قانتين)) !! وسيأتي الردّ على ذلك بعد حين.

القسم الثاني: آثار قيّدت القنوت بالفجر والمغرب.
القسم الثالث: آثار قيّدت القنوت بالفجر (الصبح) فقط دون ما سواه. وسأجعل مدار هذا البحث –إن شاء الله- حول هذا القسم والذي قبله.

فمن القسم الثانيما رواه الإمام مسلمفي صحيحه ( 5/ 186) والترمذي في سننه ( 2/251) وغيرهما من حديث البراء بن عازب رضيالله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب.اهـ
وهذا الحديث ليس فيه أي دليل على ما تمسّك به من قال بالمداومة على القنوت في صلاة الفجر وذلك لأمرين:

الأوّل أنّ هذا القنوت محمول على قنوت النّازلة الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلّم شهرا ثمّ تركه بدليل ما رواه البخاري في صحيحه (4088) ومسلم في صحيحه (1545) عن أنس رضي الله عنه قال: ((قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع في صلاة الصبحيدعو على رعل وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله)).

ويدلُّّ على ذلك أيضاً (أن أنساً أخبر أنهم لم يكونوا يقنتون، وأن بدء القنوت هو قنوتُ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على رِعل وذَكوان .
ففي ((الصحيحين)) من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال :
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً لحاجة، يقال لهم القُرَّاء، فعرض لهم حيَّانِ من بني سليم ورِعل وذَكوان عند بئر يقال له: بئر معونة، فقال القوم: والله ما إيّاكم أردنا، وإنما نحن مجتازون في حاجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلوهم، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهراً في صلاة الغداة، فذلك بدءُ القنوت، وما كنّا نقنتُ.أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/ 489) رقم (1002) ومسلم في ((الصحيح)) : (1/ 468) رقم (297).
فهذا يدلّ على أنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم القنوت دائماً، وقول أنس: ((فذلك بدء القنوت))، مع قوله: ((قنت شهراً ثم تركه))، دليل على أنه أراد بما أثبته من القنوت قنوتَ النوازل، وهو الذي وقّته بشهر، وهذا كما قنت في صلاة العتمة شهراً، كما في حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة العتمة شهراً يقول في قنوته : ((اللهم أَنْجِ الوليد بن الوليد، اللهم أَنْجِ سلمة بن هشام، اللهم أَنْجِ عيّاش بن أبي ربيعة، اللهم أَنْجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطْأَتَكَ على مُضَرَ، اللهم اجعلها عليهم سنين كَسِني يوسف)) .
قال أبو هريرة : وأصبح ذات يوم فلم يدعُ لهم، فذكرتُ ذلك له، فقال: أو ما تراهم قد قَدِموا. أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/ 390) رقم (804) ومسلم في ((الصحيح)) : (1/ 467) رقم (294) .

فقنوته في الفجر كان هكذا، لأجل أمر عارض و نازلة، ولذلك وقتّه أنس بشهر.
وقد ثبت عن أبي هريرة أنه قنت لهم أيضاً في الفجر شهراً. أخرجه أحمد في ((المسند)) : (2/255) والنسائي في ((المجتبى)) : (2/ 201) وابن ماجه في ((السنن)) : (1/394) رقم ( 1244) و الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) : (1/241) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) : (2/ 197) ..) (القول المبين في أخطاء المصلّين)

الثاني إنّ الحديث الذي استدلّوا به –أي حديث البراء- جاء فيه ذكر القنوت في الفجر والمغرب، فما بال من أجاز المداومة على القنوت في الفجر لا يُجيزها في المغرب ؟!
فإن قالوا: إنّ القنوت في المغرب منسوخ قيل لهم فما دليلكم على تخصيص النسخ بالمغرب دون الفجر ؟!
فإن قالوا قنوت المغرب كان للنوازل قيل لهم وكذلك قنوت الصبح إذ هما مذكوران في حديث واحد وفي سياق واحد ومن ادّعى التفريق بينهما فعليه الدّليل وهيهات.

وأمّا من القسم الثالث –أي تخصيص صلاة الصبح بالقنوت- فما رواه أحمد والبزار والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال ((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا)) .
وهذا الحديث اختلف أهل العلم في الحكم عليه من حيث الصحّة أو الضعف ومن حيث شرحه وفهم معناه.

فمن ضعّفه –وهو الحقُّ- قال: لا تُشرعُ المُداومة على القنوت في صلاة الصبح مُطلقاً لضعف الحديث المذكور في المسألة أوّلاً ولكون أنس بن مالك رضي الله عنه –راوي الحديث- لم يكن يقنُتُ في صلاة الصبح كما ثبت عنه بأسانيد صحيحة !!

ومن صحّحه –وهو خطأ- ونظر في فعل عامّة الصحابة والخلفاء الراشدين خصوصاً وأنّهم لم يكونوا يقنتون في صلاة الصبح تأوّل القنوت المذكور في الحديث بطول القيام.

قال فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله في كتابه ((القول المبين في أخطاء المصلّين)) بعد أن بيّن ضعف حديث أنس المتقدّم:
((... ولو صح، لم يكن فيه دليل على هذا القنوت المعين البتة، فإنه ليس فيه أن القنوت هذا الدعاء، فإن القنوت يطلق على القيام والسكوت ودوام العبادة والدعاء والتسبيح والخشوع ، كما قال تعالى : ((وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ)) .
وقال تعالى : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)).
وقال تعالى : ((وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)) .
وقال زيد بن أرقم : لما نزل قوله تعالى : ((وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)) أُمرنا بالسّكوت، ونُهينا عن الكلام.
وأنس ـ رضي الله عنهـ لم يقل: لم يزل يقنت بعد الركوع رافعاً صوته: ((اللهم اهدني فيمن هديت ...)) إلى آخره، ويؤمّن مَنْ خلفه، ولا ريب أن قوله: ((ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثّناء والمجد، أحقّ ما قال العبد،...)) إلى آخر الدّعاء والثناء الذي كان يقوله ، قنوتٌ ، وتطويلُ هذا الرّكن قنوت ، وتطويل القراءة قنوت ، وهذا الدّعاء المعيّن قنوت ، فمن أين لكم أن أنساً إنما أراد هذا الدّعاء المعيّن دون
سائر أقسام القنوت ؟!)) اهـ



الردّ على من استدلّ بقوله تعالى: ((وقوموا لله قانتين)) على المداومة على القنوت في صلاة الصبح:


قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى في شرح معاني الآثار (1/171): حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد في هذه الآية ((وقوموا لله قانتين))
قال: من القنوت الركوع والسجود وخفض الجناح وغض البصر من رهبة الله.

حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا محمد بن طلحة عن بن عون عن عامر الشعبي قال : لو كان القنوت كما تقولون لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم منه شيء إنما القنوت الطاعة يعني ((ومن يقنت منكن لله ورسوله)).

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا أبو الأشهب قال سألت جابر بن زيد عن القنوت ؟
فقال: ((الصلاة كلها قنوت أما الذي تصنعون فلا أدري ما هو)).

ثمّ قال الإمام الطحاوي رحمه الله:
فهذا زيد بن أرقم ومن ذكرنا معه يخبرون أن ذلك القنوت الذي أمر به في هذه الآية هو السكوت عن الكلام الذي كانوا يتكلمون به في الصلاةفيخرج بذلك أن يكون في هذه الآية دليل على أن القنوت المذكور فيها هو القنوت المفعول في صلاة الصبح.

وقد أنكر قوم أن يكون بن عباس كان يقنت في صلاة الصبح.

وقد روينا ذلك بإسناده في باب القنوت في صلاة الصبح.

فلو كان هذا القنوت المذكور في هذه الآية هو القنوت في صلاة الصبح إذا لما تركه إذا كان قد أمر به الكتاب وقد روى عن بن عباس رضي الله عنهما أن الذي ذهب إليه في ذلك معنى آخر.. اهـ

(والحاصل في المسألة : أنه لما صار القنوتُ في لسان الفقهاء، وأكثر الناس، هو هذا الدّعاء المعروف: ((اللهم اهدني فيمن هديت)) إلى آخره، وسمعوا أنه لم يزل يقنُت في الفجر حتى فارق الدنيا، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصّحابة، حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم ، ونشأ مَنْ لا يعرف غير ذلك ، فلم يشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كانوا مداومين عليه كلّ غداة ، وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهورُ العلماء ، وقالوا : لم يكن هذا من فعله الراتب ، بل ولا يثبت عنه أنه فعله. والعجب ترك الأحاديث الصحيحةِ الصريحة بقنوت النّوازل ، والعمل بالحديث الذي لم يثبت في القنوت الراتب!!) (القول المبين في أخطاء المصلّين)



من أقوال العلماء في حكم المداومة على القنوت في صلاة الصبح:


1) قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يقول لما سئل عن القنوت في الفجر، فقال: إذا نزل بالمسلمين أمر ، قنت الإِمام وأمَّن مَنْ خلفه، ثم قال: مثل ما نزل بالناس من هذا الكافر ، يعني بابك (يعني بابك الخرمي من أدربيجان، رأس من رؤوس الباطنية الكفرة).

وقال إسحاق الحربي: سمعتُ أبا ثور يقول لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول في القنوت في الفجر؟ فقال أبو عبد الله: إنما يكون القنوت في النّوازل .فقال له أبو ثور : وأي نوازل أكثر من هذه النّوازل التي نحن فيها ؟ قال : فإذا كان كذلك ، فالقنوت.
(راجع كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيّم)

2) قال الإمام الترمذي في جامعه: (2/250)
290- باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر
399- حدثنا قتيبة ومحمد بن المثنى قالا: أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب
- ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب)).
وفي الباب عن علي وأنس وأبي هريرة وابن عباس وخفاف بن أيماء بن رحضة الغفاري.
قال أبو عيسى: حديث البراء حديث حسن صحيح.
واختلف أهل العلم في القنوت في صلاة الفجر، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم القنوت في صلاة الفجر.
وهو قول الشافعي.
وقال أحمد، وإسحق: لا يقنت في الفجر إلا عند نازلة تنزل بالمسلمين، فإذا نزلت نازلة فللإمام أن يدعو لجيوش المسلمين.

291- باب في ترك القنوت
400- حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب هاهنا بالكوفة، نحوا من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني محدث.

401- حدثنا صالح بن عبد الله أخبرنا أبو عوانة عن أبي مالك الأشجعي بهذا الإسناد نحوه بمعناه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
وقال سفيان الثوري إن قنت في الفجر فحسن، وإن لم يقنت فحسن واختار أن لا يقنت. ولم ير ابن المبارك القنوت في الفجر.
قال أبو عيسى: وأبو مالك الأشجعي اسمه سعد بن طارق بن أشيم. اهـ

فائدة: قال الشيخ العلامة محمّد عبد الرزاق حمزة رحمه الله: ((والذي يظهر أنّ الحسن في نظر الترمذي أعمّ من الصحيح. فيجامعه وينفرد عنه، وأنّه في معنى المقبول المعمول به، الذي يقول مالك في مثله: ((وعليه العمل ببلدنا)) وما كان صحيحا ولم يعمل به لسبب من الأسباب، ويسمّيه الترمذي ((صحيحا)) فقط وهو مثل ما يرويه مالك في موطئه ويقول عقبه: ((وليس عليه العمل)) وكأنّ غرض الترمذي أن يجمع في كتابه بين الأحاديث وما أيدها من عمل القرون الفاضلة من الصحابة ومن بعدهم. فيسمّي هذه الأحاديث المؤيّدة بالعمل حساناً، سواء صحّت أو نزلت عن درجة الصحّة، وما لم تتأيّد بعمل لا يصفها بالحسن وإن صحّت، هذا الذي يظهر قد استفدناه من مذاكرة بعض شيوخنا ومجالستهم)) اهـ (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص 43 هامش، مكتبة المعارف، الرياض)
3) وقال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في شرح سنن ابن ماجة (1/88 طبعة كراتشي) عند الحديث رقم (1241) فكانوا يقنتون في الفجر... الخ
((اختلف في قنوت بن الهمام أورد الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة وغيرهم كثيرا وأجاب عن ذلك بتعليل تلك الأحاديث وتضعيف رواتها وقرر بعد التنقيد والتحقيق أنّ ذلك كما قال صاحب الهداية منسوخ تمسكا بما رواه البزار وابن أبي شيبة والطبراني والطحاوي كلهم من حديث بن مسعود أنه قال ((لم يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح الا شهرا ثم تركه ثم لم يقنت قبله ولا بعده)).

وقال: روى الخطيب في كتاب القنوت عن أنس ((أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت الا إذا دعا لقوم أو دعا عليهم)) وهو صحيح وما روى الخطيب بخلاف ذلك البقية على ص وغيره عن أبي جعفر الرازي عن أنس ((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا))
فقد شنع عليه بن الجوزي بما لا يجوز ذكرهوأبطله وأسند بعض الرواة فيها بالوضع على أنس وقد صح حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه أنه قال ((أي بني محدث)) يعني المواظبة والمداومة على قنوت الصبح.

وأخرج عن بن أبي شيبة ((عن أبي بكر رض وعمر وعثمان رضي الله عنهم أنهم كانوا لا يقنتون في الفجر)).
وأخرج عن علي رضي الله عنه ((لما قنت في الصبح انكر الناس عليه فقال استنصرنا على عدونا)).
وأخرج عن بن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير أنهم كانوا لا يقنتون في صلاة الفجر.

وبالجملة لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الفجر كانت سنة راتبة لم يخف ذلك ونقلوه كنقل الرجعة القراءة وكل ما روى عن فعله صلى الله عليه وسلم إن صح فهو محمول على النوازل بالدعاء لقوم أو على قوم وهذا خلاصة كلام بن الهمام مع اختصار لمعات الحاشية المتعلقة بصفحة هذا... اهـ


4) وفي عون المعبود للعلامة شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله: (4/222 دار الكتب العلمية ط2، سنة 1415هـ) قال بعد ذكر أقوال المذاهب الأربعة في القنوت في الصبح:
قال ابن القيم صح حديث أبي هريرة أنه قال ((والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)).
ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ثم تركه فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وهذا رد على الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقا عند النوازل وغيرها ويقولون هو منسوخ فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرهافإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه انتهى ملخصا. اهـ

5) ويقول الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله تعالى:
(زاد المعاد 1/247) وهذا كما أن هديَه صلى الله عليه وسلم كان تطويلَ القراءة في الفجر، وكان يخففها أحياناً، وتخفيف القراءة في المغرب، وكان يُطيلها أحياناً، وترك القنوت في الفجر، وكان يقنت فيها أحياناً،...

6) وفي منار السبيل في شرح الدليل للعلامة ابن ضويان رحمه الله تعالى: (1/96 المكتبة التوفيقية):
(وكره القنوت في غير الوتر) حتى في الفجر، ((لحديث مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت إنّك صلّيت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر ؟قال أي بني مُحدث)) رواه أحمد والترمذي وصحّحه. ((وعن سعيد بن جبير قال: أشهد أنّي سمعتُ ابن عبّاس يقول: إنّ القنوت في صلاة الفجر بدعة)) رواه الدارقطني. اهـ
قال الألباني في الإرواء عن أثر ابن عبّاس هذا: (ضعيف)

7) وفي فقه السنّة للسيّد سابق رحمه الله: (1/147-148 دار المؤيّد ط1 سنة 1422هـ)
((القنوت في صلاة الصبح غير مشروع إلا في النوازل ففيها يقنت فيه وفي سائر الصلوات كما تقدم . روى أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وصححه عن أبي مالك الاشجعي قال : كان أبي قد صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست عشرة سنة ، وأبي بكر وعمر وعثمان .
فقلت أكانوا يقنتون ؟
قال : لا : أي بني محدث .
وروى ابن حبان والخطيب وابن خزيمة وصححه ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الصبح إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ( قال في الهامش: هذا لفظ ابن حبّان ولفظ غيره بدون ذكر ((في صلاة الصبح)) ) .

وروى الزبير والخلفاء الثلاثة أنهم كانوا لا يقنتون في صلاة الفجر .
وهو مذهب الحنفية والحنابلة وابن المبارك والثوري وإسحاق .
ومذهب الشافعية أن القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع من الركعة الثانية سنة ، لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن ابن سيرين أن أنس بن مالك سئل : هل قنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟ فقال : نعم .
فقيل له : قبل الركوع أو بعده ؟ قال : بعد الركوع .
ولما رواه أحمد والبزار والدار قطني والبيهقي والحاكم وصححه عنه قال ((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا)) .
وفي هذا الاستدلال نظر ، لأنّ القنوت المسؤول عنه هو قنوت النوازل كما جاء ذلك صريحا في رواية البخاري ومسلم .
وأما الحديث الثاني ففي سنده أبو جعفر الرازي وهو ليس بالقوي ، وحديثه هذا لا ينهض للاحتجاج به ، إذ لا يعقل أن يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفجر طول حياته ثم يتركه الخلفاء من بعده ، بل إن أنسا نفسه لم يكن يقنت في الصبح كما ثبت ذلك عنه ، ولو سلم صحة الحديث فيحمل القنوت المذكور فيه على أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بعد الركوع للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا ، فإن هذا معنى من معاني القنوت وهو هنا أنسب .
ومهما يكن من شئ فإن هذا من الاختلاف المباح الذي يستوي فيه الفعل والترك وإن خير الهدي محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ

قلتُ (أبو عبد الله غريب) أمّا كون حديث أنس ((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا))ضعيفاً فنعم لأنّ في إسناده أبي جعفر الرازي وهوعيسى بن ماهان ليس بالقوي كما نقل ابن عدي في الكامل (1400) عن أحمد بن شعيب رحمه الله وتبعه الشيخ سيّد سابق رحمه الله.
وقال ابن حبّان رحمه الله في (المجروحين 120): كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير لا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا فيما وافق الثقات ولا يجوز الاعتبار بروايته إلا فيما لم يخالف الأثبات سمعت محمد بن محمود بن عدي يقول سمعت علي بن سعيد بن جرير يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول أبو جعفر الرازي مضطرب الحديث. اهـ

أمّا كون هذه المسألة من مسائل الإختلاف المباح فغير مسلّم! فكيف يعقل أن يستوي الفعل المحدث المبتدع بالترك المشروع !!
خاصّة وأنّ بعض القائلين بالقنوت في الصبح يوجبون على تاركه سجود سهو كما ذكر ذلك النووي في شرحه على صحيح مسلم !!
وانظر للفائدة تمام المنة للإمام الألباني (243-244)

8) وقال الإمام المحقّق محمّد صدّيق حسن خان رحمه الله: ((وقد اختلفت الأحاديث في القنوت المصطلح عليه: هل هو قبل الركوع أو بعده ؟ وهل هو في جميع الصلوات أو بعضها ؟ وهل هو مختصٌّ بالنّوازل أم لا ؟ والرّاجح اختصاصه بالنّوازل. أوضح الشوكاني ذلك في شرح المنتقى. وقد أوردتُ جملة صالحة من ذلك في ((الروضة النّديّة)) و ((مسك الختام)). اهـ (نيل المرام من تفسير آيات الأحكام ص103-104 دار الرائد العربي)

9) وسئل الشيخ حسين، والشيخ عبد الله، ابنا الشيخ محمد، رحمهم الله عن القنوت في الفرائض... إلخ؟

فأجابا: الصواب عندنا ترك القنوت في الفرائض، إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة، فإن السنة قد وردت وصحت بالقنوت في الفجر في هذه الحالة.
وهذا هو الثابت عندنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه الراشدين، كما هو مذكور في الكتب الصحيحة، كالصحيحين وغيرهما.(الدرر السنية 4/358 جمع ابن قاسم)

10) وسئل سماحة الشيخ الفقيه صالح بن فوزان الفوزان –عضو هيئة كبار العلماء- حفظه الله تعالى:
ما حكم القنوت في ركعة الوتر بعد الرفع من الركوع وكذلك في الركعة الثانية من صلاة الفجر أيضًا بعد الرفع من الركوع وأي الموضعين أفضل من الآخر‏؟‏

فأجاب بقوله: ((أما القنوت في الوتر فهو سنة ويراد به الدعاء بعد الركوع ولا ينبغي المداومة عليه بل يفعله أحيانًا ويتركه أحيانًا‏.‏

وأما القنوت بعد الركوع من صلاة الفجر فهذا عند الجمهور لا يجوز إلا في حال النوازل إذا نزل بالمسلمين نازلة فإنه يشرع لأئمة المساجد أن يقنتوا في الصلوات الخمس بأن يدعوا الله عز وجل أن يرفع عن المسلمين هذه النازلة‏.‏
وأما في حالة غير النوازل فإنه لا يشرع القنوت في صلاة الفجر عند الجمهور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا دائمًا ولم يفعله خلفاؤه من بعده رضي الله عنهم والحديث والوارد في أنه كان يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا حديث فيه مقال لا يصلح للاستدلال وراجع كلام الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هذه المسألة . اهـ (المنتقى من فتاوى الفوزان ج4 فتوى رقم 45)
11)وهذه فتوى من الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى حول المداومة على القنوت في صلاة الصبح:
قوله: ((ويكره قنوته في غير الوتر ... إِلخ)).
مكروه ذلك، وبدعة.
وذهب طائفة من أَهل العلم إِلى أَن القنوت في الفجر سنة، وهذا القول مشهور من قال به، وفيه أَحاديث استدلوا بها عليه.
إِلا أَن القول الآخر أَصح وأَظهر، وأَدلته لا تحتمل التأْويل بخلاف الأَول فهي غير صريحة أَو غير صحيحة وقد بسط ابن القيم ذلك في ((زاد المعاد)) ووضح ضعف القول الآخر ووجه دلالة الأَحاديث وأَن ما استدلوا به لا استقامة له أَبدا.
الحاصل أَن الراجح أَنه لا يقنت في الفرائض إِلا في النوازل مثل دعائه صلى الله عليه وسلم على رعل وذكوان وعصية، ومثل دعائه على صفوان بن أُمية وسهيل، وكدعوته لواحد معين كقوله ((الَّلهُمَّ أَنج الْوَلِيْدَ ... )) فهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول به الأَصحاب مذهب أَحمد وغيره. وأَما اتخاذ ذلك في الفجر كل يوم فهذا لا أَصل له ولا يصح عن النبي أَبدا. اهـ وقال أيضاً:
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة فضيلة رئيس عام هيئات الأَمر بالمعروف بالحجاز الموقر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
لقد وردنا من فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية خطابًا برقم 2552 في 2-3-81 هـ حول المكاتبة بشأْن ما لاحظه رئيس هيئة الأَمر بالمعروف بالليثعن مداومة أَهالي تلك الجهة على القنوت في صلاة الصبح، وأَنه إِذا سها أَحدهم عن ذلك سجد للسهو. وكذلك تعليق التمائم والحروز ومبالغتهم في ذلك.
وحيث أَن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقنت إِلا في النوازل، ولم يداوم على القنوت ولا أَحد من خلفائه الراشدين رضي الله عنهم فقد أَبلغنا فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية بوجوب منعهم عن القنوت والسجود له؛ لأَن هذا السجود مبطل للصلاة، واقتضاء منعهم عن التمائم منعًا باتًا، وتحذيرهم عن كل ما ذكر، فلذا نلفت نظركم ابذال الوسع في تغيير هذه الأَفعال. والله يحفظكم.
رئيس القضاة

(ص-ق-1482-3 في 15-3-1381 هـ) (مجموع فتاوى سماحته ج2 فتوى رقم604-605)

12) وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية –حرسها الله تعالى من كيد الكائدين- الفتوى رقم (902):

س: إن كثيرا من أئمة المساجد بمدينة القنفذة يقنتون في صلاة الفجر مستندين إلى أن النبي صلى الله عليه وسلّم قنت حتى فارق الحياة فهل ذلك جائز ونتابعهم، أم هذا شيء غير جائز ومباح عند النوازل فقط في كل فرض؟

ج: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلّمكان يقنت في النوازل، يدعو على المعتدين من الكفار ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكافرين وأسرهم، ثم ترك ذلك ولم يخص بالقنوت فرضا دون فرض، يدل على ذلك ما رواه أنس ((أن النبي صلى الله عليه وسلّم قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه)) رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وفي لفظ ((قنت شهراً حـــين قتــل القراء، فما رأيته حــزن حزناً قط أشد منه)) رواه البخاري،

وما رواه البراءبن عازب ((أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقنت في صلاة المغرب والفجر)) رواه أحمد، ومسلم والترمذي وصححه،

ومارواه أحمد والبخاري من طريق ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلّم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: ((اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، فأنزل الله تعالى: ((ليس لك من الأمر شيء...)) إلى قوله: ((...فإنهم ظالمون))))

وما رواه البخاري من طريق أبي هريرة قال بينما النبي صلى الله عليه وسلّم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: ((اللهم نج عياش بن ربيعة اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف))

وما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي هريرة قال: ((لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكان أبوهريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار))
وفي رواية لأحمد: ((وصلاة العصر)) مكان: صلاة العشاء الآخرة،

وما رواه أحمد وأبوداود عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((قنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم شهراًمتتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو عليهم، يدعو على حي من بني سليم، على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه)).

وقد استحب مالك القنوت في الركعة الأخيرة من الصبح قبل الركوع،

وذهب الشافعي إلى أن القنوت سنة بعد الركوع من الركعة الأخيرة من الصبح،

وقال بذلك جماعة من السلف والخلف،

واستدلوابما تقدم من حديث البراء ونحوه، ونوقش بأن النبي صلى الله عليه وسلّم فعل ذلك في النوازل فقط ثم ترك،
وبأن الحديث لم يخص القنوت بالفجر بل دل على مشروعيته في المغرب والفجر في النوازلودلت الأحاديث الأخرى على تعميمه في سائر الفرائض،
وهم يخصون القنوت بالفجر ويقولون بالاستمرار، (!!)

واستدلوا أيضا بما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلّم((لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا)).

ونوقش بأن هذه الجملة وردت في بعض الأحاديث لكنها ضعيفة لأنها من طريق أبي جعفر الرازي وقد قال فيه عبد الله بن أحمد ((ليس بالقوي))، وقال علي بن المديني: ((إنه يخلط))، وقال عمرو بن علي الغلاس: ((صدوق سيئ الحفظ))،

وإنما أخذ به من أخذ من الأئمة لتوثيق جماعة من أهل الجرح والتعديل أبا جعفر الرازي ولشهادة بعض الأحاديث له لكن في سند الشاهد عمرو بن عبيد القدري وليس بحجة،

وبالجملة فتخصيص صلاة الصبح بالقنوت من المسائل الخلافية الاجتهادية، فمن صلى وراء إمام يقنت في الصبح خاصة قبل الركوع أو بعده فعليه أن يتابعه، وإن كان الراجح الاقتصار في القنوت بالفرائض على النوازل فقط .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .



اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو، عضو، نائب رئيس اللجنة،

عبدالله بن منيع، عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي،


وسُئلت أيضاً:

(السؤال الثالث من الفتوى رقم (3137))

س3: على ضوءالسنة، يقرأ القنوت هل قبل الركوع أم بعده؟

ج3: السنة أن القنوت يكون بعد الركوع لمجيء الأحاديث الصحيحة بذلك، هذا في قنوت الوتر أما القنوت في صلاة الصبح فإنه يشرع عند النوازل، أما القنوت فيها دائما فبدعة، ويكون بعد الركوع ولا يختص بالصبح بل هو مشروع في جميع الصلوات عند الحاجة إليه .

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .



اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو، عضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيس

عبدالله بن قعود، عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي، عبدالعزيز بن باز.




بيان أنّ القنوت الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلّم هو قنوت النازلة وأنّه كان بعد الرفع من الركوع:


روى الإمام ابن حبان في صحيحه (5/318 وما بعدها)

1981 أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال حدثنا مؤمل بن هشام قال حدثنا إسماعيل بن علية عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال:
والله إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو هريرة يقنت في صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين.

1982 أخبرنا أبو خليفة حدثنا مسدد عن يحيى القطان عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس قال قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركه.اهـ

وجاء في مسند أبي عوانة (2/285 وما بعدها)


بيان اباحة القنوت على الاعداء الذين يصيبون بعض المسلمين بالقتل وان لم يكن منهم غلبة ولا خوف على المسلمين في وقت القنوت والدليل على ان قنوت النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة وقنت بعد الركوع:

حدثنا احمد بن عبد الجبار قال ثنا ابن فضيل عن عاصم الاحول عن يروي قال قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع حين قتل القراء فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزنا قط اشد منه.
حدثنا العباس والصغاني قالا ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن عاصم عن يروي قال انما قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركعةشهرا.
... حدثنا الصغاني قال ثنا عفان بن مسلم ويونس بن محمد قالا ثنا حماد بن سلمة قال ثنا يروي بن سيرين عن يروي بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع. اهـ

وقال الإمام ابن القيّم في كتابه ((الصلاة وأحكام تاركها)) (ص168-171):
فصل
وكان إذا قنت لقوم أو على قوم يجعل قنوته في الركعة الأخيرة بعد رفع رأسه من الركوع, وكان أكثر ما يفعل ذلك في صلاة الصبح.
وقال حميد عن أنس: ((قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع في صلاته يدعوعلى رعل وذكوان)).
وقال ابن سيرين قلت: لأنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟
قال: نعم بعد الركوع يسيرا.
وقال ابن سيرين عن أنس: ((قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع في صلاة الفجر يدعو على عصية)) متفق على هذه الأحاديث.
فهؤلاء أعلم الناس بأنس قد حكوا عنه أن قنوته كان بعد الركوع وحميد هو الذي روى عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال: ((كنا نقنت قبل الركوع وبعده)), والمراد بهذا القنوت طول القيام,
وقد أخبر أبو هريرة مثل ما أخبر به أنس سواء أنه صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع لما قال: ((سمع الله لمن حمده)) قال قبل أن يسجد: ((اللهم نج عياش ابن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين))-متفق عليه.

وقال ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: ((اللهم العن فلانا وفلانا -بعد ما يقول- سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد)).
فقد اتفقت الأحاديث أنه قنت بعد الركوع وأنه قنت لعارض ثم تركه ثم قال أنس: ((القنوت في المغرب والفجر)) رواه البخاري. وقال البراء: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الفجر والمغرب)) رواه مسلم.
وقنت أبو هريرة في الركعة الأخيرة من الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح بعدما يقول: ((سمع الله لمن حمده)) يدعو للمؤمنين ويلعن الكفار, وقال: ((لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)). ذكره البخاري.

وقال أحمد ((وصلاة العصر)) مكان صلاة العشاء,
وقال ابن عباس: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حي من بني سليم ويؤمن من خلفه, ذكره أبو داود.
وقد اتفقت الأحاديث كما ترى على أنه في الركعة الأخيرة بعد الركوع وأنه عارض لا راتب.
وفي صحيح مسلم عن أنس قنت يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه.

وعند الإمام أحمد قنت شهرا ثم تركه,
وقال أبو مالك الأشجعي قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر عمر وعثمان وعلي بالكوفة ههنا قريبا خمس سنين أكانوا يقنتون؟ قال أي بني إنه محدث!
قال الترمذي: هذا صحيح ورواه النسائي, ولفظه: ((صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت, وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت, ثم قال يا بني بدعة!)) اهـ
فبعد هذا الكلام والنقول عن الأئمّة الأعلام نستخلص ما يلي:
1) أنّ قنوت النوازل في الفرائض ثابت لا مجال للطعن فيه.
2) أنّ محلّهُ بعد الرفع من الركوع ومن قنت قبل الركوع فلا بأس لفعل بعض السلف من الصحابة والتابعين له.
قيل لأبي عبد الله أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى: ((وسائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع؟
قال: بلى كلها خفاف أين كانت وأبو هريرة, قلت: لأبي عبد الله فلم ترخص إذا في القنوت قبل الركوع؟ وإنما صحت الأحاديث بعد الركوع؟!

فقال: القنوت في الفجر بعد الركوع, وفي الوتر نختاره بعد الركوع ومن قنت قبل الركوع فلا بأسلفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافهم فيه, فأما في الفجر فبعد الركوع والذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القنوت في النوازل ثم تركه، ففعله سنة وتركه سنة. وعلى هذا دلت جميع الأحاديث وبه تتفق السنة.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء عن أبي مغفل أنه قنت في الفجر قبل الركوع،
وقال: مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقنت في الفجر قبل الركوع.
وقال مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقنت قبل الركوع.
قال أصبع بن الفرج والحارث بن مسكين وابن أبي العمر حدثنا عبدالرحمن بن القاسم قال: سئل مالك عن القنوت في الصبح أي ذلك أعجب إليك؟ قال: الذي أدركت الناس عليه, وهو أمر الناس القديم القنوت قبل الركوع, قلت: أي ذلك تأخذ في خاصة نفسك؟ قال: القنوت قبل الركوع, قلت: فالقنوت في الوتر, قال: ليس فيه قنوت. انظر ((الصلاة وأحكام تاركها)) لابن القيّم.

3) أنّ المداومة على القنوت في صلاة الصبح بدعة لم تقم على دليل.
4) أنّ ما استدلّ به من أجاز المداومة على القوت في صلاة الصبح إمّا ضعيف وإمّا لا صلة له بأصل الموضوع.
5) أنّ المُداومة على القنوت في صلاة الصبح وإن كان بدعة ولكنّه من المسائل الاجتهادية التي لا تُؤدّي إلى التنافر والتبديع كما زعم الكذّاب المردود عليه. بل لو صلّى من لا يرى القنوت في صلاة الصبح خلف إمام يرى القنوت فعليه أن يُتابعه لعموم قوله عليه الصلاة والسلام ((إنّما جُعل الإمام ليُؤتمّ به))، وحفاظاً على الوحدة والجماعة ودفعاً للفرقة، بل لو صلّى إمامٌ لا يرى القنوت بقوم يرون القنوت فلهُ أن يقنُتَ وإن كان ما يراهُ هو الراجح !!
قال شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله تعالى كما في الدرر السنية (4/12) :إذا أم رجل قوماً، وهم يرون القنوت، أو يرون الجهر بالبسملة، وهو يرى غير ذلك، والأفضل ما رأى؛ فموافقتهم أحسن، ويصير المفضول، هو الفاضل)). اهـ كلّ هذا حفاظا على الجماعة ونبذاً للفُرقة.

فهل يصحُّ بعد هذا الكلام ما ادّعاهُ الرويبضة الكذّاب الفتّانُ مُفتي الجرائد شمس الدّين أنّ السلفيين يبثّون الفُرقة والشقاق بين المُصلّين وأنّهم مُشاغبون فتّانون وأنّهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ؟؟!!

وما أحسن ما قاله ابن حزم رحمه الله تعالى: ((لا آفة على العلوم وأهلها، أضرّ من الدُّخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنّهم يجهلون، ويظنّون أنّهم يعلمون، ويُفسدون ويُقَدّرون أنّهم يُصلحون)).

وها هو ذا شمس الدّين المهين يفضحُ نفسهُ من جديد المرّة تلو المرّة وها هم السلفيون يقومون في وجهه كلّما كشّر عن أنيابه وحاول الهجوم على السنّة وأهلها ولقد صدق الشيخ محمّد عليش رحمه الله المُتوفّى سنة 1299هـ مفتي المالكية بمصر- حين وصف أحد المُفتين المُتعالمين المُتفيهقين المُتزببين قبل أن يتحصرموا: ((أيا أهل الذكاء تعجّبوا ممّن كان عيبه مستورا، فنادى على نفسه بين النّاس بالفضيحة، وصيّر عيبه مشهوراً)) (الردُّ على من جوّز لبس قلنسوة النّصارى، تحقيق عبد المجيد جمعة).

أسأل الله الكريم العظيم الحليم أن يجعل جمعي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره كما أسأله تعالى أن يُرينا في طمس الدّين هذا ومن شايعه من أعداء السنّة عجائب قُدرته فإنّهم لا يُعجزونه، ولله الأمر من قبل ومن بعدُ والحمد لله ربّ العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عدد زوار الموقع