مرحباً بكم على مدوّنة ((الغريب الأثري)) تابعوا معنا آخر المقالات والمواضيع. نتمنى لكم متابعة ممتعة ومفيدة..

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

:: 19/ لا يدعو إلى خلاف هذه الأصول إلا من سفه نفسه ::

الأثر التاسع عشر:
قال الإمام أحمد رحمه الله: ((
لا يُتعرّضُ للسلطان فإنّ سيفهُ مسلول)) (جامع العلوم والحكم 2/248-249)

الإمام أحمد بن محمّد بن حنبل هو الإمام المبجّل إمام أهل السنّة والجماعة في كلّ الأعصار وإلى قيام الساعة رضي الله عنه وأرضاه. وقد نال رضي الله عنه هذا اللقب العظيم والمنزلة العالية الرفيعة بعد أن امتُحنَ وابتُليَ أشدّ البلاء من طرف أمراء عصره وحكّام زمانه في الفتنة التي أحدثها الجهمية والمُعتزلةُ -عليهم من الله ما يستحقّون- فصبر واحتسبَ وثبتَ رضي الله عنه في حين أجاب غيرهُ -تقيّةً وخوفاً من بارقة السيف-إلى بدعة القول بخلق القرآن وما يتبع ذلك من تعطيل صفاة الرحمن.
فكان رضي الله عنه على يقين من دينه ثابتاً عليه ثبوتَ الجبال الراسيات فانطبق عليه قول الله تعالى: ((
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)).


وقد كان النّاسُ في زمانه قد اجتمعوا وعزموا على الخروج على حاكمهم الذي دعاهم إلى الكفر الصريح والردّة الواضحة البيّنة، بل كان يمتحنهم ويصبُّ عليهم سوط عذاب بل كان يقتلهم في سبيل ذلك. فكلّ من لم يجب الحاكم إلى ما يدعو إليه من كفر صريح فإنّه يحكمُ فيه بحكم الكفّار، فلا يولّيه ولاية ولا يفتكّه من عدوّ ولا يُعطيه شيئاً من بيت مال المسلمين، ولا يقبل له شهادة، ولا فتيا، ولا رواية...!! (انظر الفتاوى لابن تيمية 12/418)
ففي هذه البيئة وفي مثل هذه الأوضاع -حيث كاد الإسلام أن يُدرسَ وتختفي معالمُهُ- عزم النّاسُ على الخروج على هذا الحاكم الظالم الفاجر الذي لا يرقُبُ فيهم إلاً ولا ذمّةً، عزموا على الخروج وإسقاط حكمه لأجل الله تعالى ورفع راية التوحيد والسنّة وقمع معالم الشرك والكفر والبدعة . لا لأجل الديموقراطية وحريّة الرأي وحريّة التعبير وحريّة العقيدة، ولا لأجل التداول السلمي على السلطة ولا لأجل غلاء الأسعار وعُسر المعيشة وأزمة البطالة والسكن ... كلاوالله، ما عزمَ أولئك القومُ على الخروج على حاكمهم إلا لأجل الآخرة وطلباً لها لا لأجل الدنيا والركض خلفها.

ومع ذلك فقد كان الإمام أحمدُ -رضي الله عنه- -
وقد ناله القسط الأوفر من الابتلاء والعذاب على أيدي هؤلاء الحكّام- كان ينهاهم عن ذلك ويُنكرُهُ عليهم .
قال أبو الحارث الصائغ: سألت أحمد بن حنبل في أمر كان حدث ببغداد، وهَمَّ قومٌ بالخروج، فقلت: يا أبا عبد الله، ما ترى في الخروج مع هؤلاء؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: "سبحان الله! الدماء الدماء! لا أرى ذلك ولا آمر به
. الصبر على ما نحن فيه خيرٌ من الفتنة يسفك فيها الدماء، ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم. أما علمت ما كان الناس فيه؟! - يعني أيَّام الفتنة - قلت: والناس اليوم، أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟! قال: "وإن كان، فإنَّما هي فتنةٌ خاصَّة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة، وانقطعت السبل؛ الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك". ورأيته ينكر الخروج على الأئمَّة وقال: "الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمر به"...

بل كان رحمه الله تعالى ورضي عنه يدعو للحاكم على رؤوس الأشهاد ولا يُسمّيه إلا أمير المؤمنين.
وهذا منه -رضي الله عنه- من تمام النّصح لأئمّة المسلمين، بل من تمام النّصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم كما جاء في حديث أبي رقيّة تميم بن أوس الداري رضي الله عنه.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى في كتابه (الشفا ص585): ((أمّا النّصح لأئمّة المسلمينفطاعتُهُم في الحقّ، ومعونتهم فيه، وأمرهم به، وتذكيرهم إياه على أحسن وجه، وتنبيههم على ما غفلوا عنه، وكُتم عنهم من أمور المسلمين،
وترك الخروج عليهم، وتضريب النّاس وإفساد قلوبهم عليهم)).

وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كتابه (الرياض الناضرة والحدائق النيّرة الزاهرة ص29): ((وأمّا النّصيحة لأئمّة المسلمين، وهم ولاتهم من السلطان الأظم، إلى الأمير، إلى القاضيإلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة، فهؤلاء لمّا كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النّصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم، والاعتراف بولايتهم،
ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحثّ الرعيّة على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يُخالف أمر الله ورسوله، وبذل ما يستطيع الانسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليههم ممّا يحتاجون إليه في رعايتهم، كلُّ أحد بحسب حاله، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإنّ صلاحهم صلاح لرعيّتهم)) وقال رحمه الله: ((واجتناب سبّهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإنّ في ذلك شراً وضرراً وفساداً كبيراً، فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك)).

فهذه تعاليم ديننا الحنيف وقواعد شريعتنا الغرّاء التي جاءت للحفاظ على الأنفس والأعراض والممتلكات وذلك بالصبر على جور الأئمّة وترك التعرّض لهم فإنّ أسيافهم مسلولة فإذا وقعت عمّت الفتنة وقُطعت الرقاب وأريقت الدماء ولا يدعو إلى خلاف هذه القواعد والتعاليم إلا من سفه نفسه فنعوذ بالله أن نكون من الجاهلين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عدد زوار الموقع