مرحباً بكم على مدوّنة ((الغريب الأثري)) تابعوا معنا آخر المقالات والمواضيع. نتمنى لكم متابعة ممتعة ومفيدة..

الاثنين، 12 سبتمبر 2016

:: هؤلاء هم الأشاعرة ::

قال الإمام الشافعي الثاني أبو العباس بنسريج (ت306 هـ) :



((لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل)) .


هؤلاء هم الأشاعرة


تعليق على مقال لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك



((لم أدخر عملا لربي صالحا ****لكن بإسخاطي لكم أرضاني))

الإمام القحطاني رحمه الله



((إذا علم الله من رجل أنّه مبغضٌ لصاحب بدعة، رجوتُ أن يغفرَ له، وإن قلّ عملُهُ))

الفضيل بن عياض رحمه الله






قال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين:

((جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا وأن الله تعالى اله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبه ولا ولدا وان محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتيةلا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله تعالى على عرشه كما قال ((الرحمن على العرش استوى)) وأن له يدين بلا كيف كما قال((خلقت بيدي)) وكما قال ((بل يداه مبسوطتان)) وأن له عينين بلا كيف كماقال ((تجري بأعيننا)) وأن له وجها كما قال ((ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)) وأن أسماء الله تعالى لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج.
واقروا أن لله علما كما قال ((أنزله بعلمه)) وكما قال ((وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه)) وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما تعتقد المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال ((أولم يروا الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة)) .... فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير)) 





المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين ومن اقتفى أثرهم وسلك سبيلهم واستنّ بسنّتهم إلى يوم الدّين وبعدُ:
فإنّ الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المُشركون، وإنّ الله تعالى أنزل على رسوله كتاباً عظيما وصفه بأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه وأنّه نورٌ وهدى وأنّه شفاء للنّاس وشفاء لما في الصدور.
وإنّ هذا الكتاب الذي أنزله الله على رسوله مُحكمٌ غيرُ قابل للنّسخ فهو المُهيمن على كلّ الكتب السماوية السابقة لا تصل إليه أيدي المُحرّفين ولا تطاله، فقد تكفّل الله العظيم بحفظه وصيانته فقال: ((إنّا نحنُ نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)).
والقرآن مُجملٌ يحتاجُ إلى تبيين وعامٌّ يحتاجُ إلى تخصيص ومُطلقٌ يحتاجُ إلى تقييد، ولذلك كان من تمام الحكمة الإلهية أن أوحى إلى عبده ورسوله الحكمة –أي السنّة- وضمن حفظها هي الأخرى، إذ لا يُعقلُ أن يحفظ الله المُجملَ ولا يحفظ ما يبيّنه !
يقول صلى الله عليه وسلّم ((ألا إنّي أوتيتُ الكتاب ومثله معه)) الحديث.
وقد كان النّبيُّ صلى الله عليه وسلّم يربّي أصحابه على العضّ على الكتاب والسنّة بالنّواجد وردّ كلّ ما خالفهما وإن لم يكن في عصرهم مخالفة لهما.
وكان الرعيلُ الأوّل على هذه الطريقة المرضية وكذا تابعوهم وتابعو تابعيهم، ثمّ إنّ الله تعالى شاء –قدراً- أن يكون الخلاف ليتميّز الخبيث من الطيّب وليمحّص أوليائه من أعدائه.
قال الله تعالى: ((ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيّب)) وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّ هذه الأمّة سيصيبُها داء الأمم التي قبلها من التفرُّق والشقاق فقال عليه الصلاة والسلام بعد أن أخبر عن افتراق اليهود والنّصارى : ((وستفترقُ هذه الأمّة إلى ثلاث وسبعين فرقة)) وقد ذكر بعضُ أهل العلم أنّ الفرق الإسلامية –أي المنتسبة إلى الإسلام- أضعاف أضعاف الثلاثة والسبعين ! بناءاً على قولهم بنفي مفهوم العدد وهذا الذي أعتقده..
وقد حاول بعضُ المُتأخّرين ممّن يُحسبون من الدُّعاة ومن علماء الصّحوة تضعيف هذه الأحاديث الدّالة على تفرُّق هذه الأمّة وقد جاءوا في سبيل ذلك بالأعاجيب والغرائب !! فإنّ هذا الحديث المُستفيض يُعدُّ العقبة الكؤود في وجوههم !
كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّ جميع تلك الفرق مصيرها إلى النّار إلا واحدة.
وهذا لا يعني بالضرورة تكفير كل تلك الفرق ! فقد أخبر النّبي صلى الله عليه وسلّم أنّ الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النّار ولم يقل أحد من أهل العلم بكفر الكذّابين !!
وكما أنّه لا يعني من الحكم على الفرقة بأنّها في النّار الحكم على أعيانها أنّهم في النّار .. وهذا واضحٌ لكلّ من نوّر الله قلبه بنور العلم الصحيح.
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّ الفرقة النّاجية والطائفة المنصورة بإذن الله هي: ((الجماعة)).
وفي رواية: ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).
وإنّي أعجب والله من أناس ينتسبون إلى أشخاص غير معصومين جاءوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمئات السنين يزعمون أنّهم الفرقة النّاجية والطائفة المنصورة وأنّهم أهل السنّة والجماعة !!
يقول الإمام الحافظ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب في ردّه على عبد الله أفندي الراوي البغدادي((التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق، ص61-64 دار طيبة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الأولى، 1404هـ/ 1984م))
((وقولكم (الفرقة الناجية المستثناة الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: ((هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي))وهم الأشاعرة) وهذا غلط ظاهر لوجوه:

منها: أن هؤلاء المنتسبين إلى عقيدة الأشعري لم يرجعوا عنها كما رجع عنها وتاب وأقلع منها فإنه اسمه علي بن إسماعيل بن اسحق الأشعري من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، كنيته أبو الحسن ولد بالبصرة سنة سبعين وقيل ستين ومائتين وتوفي ببغداد ودفن بها سنة أربع وعشرين وثلاثمائة كما قال ابن الصلاح، وكان من تلامذة المعتزلة كأبي علي الجبائي، ومال إلى طريقة ابن كلاب وأخذ عن زكريا الساجي أصولالحديث بالبصرة، ثم انه رجع إلى بغداد فتاب من عقيدته وانتسب إلى الإمام أحمد وغيره من السلف وانتصر لطريقة أحمد كما ذكر ذلك الأشعري في كتبه التي صنفها ومنها كتابه الذي سماه ((الإبانة في أصول الديانة))، وكتابه الذي صنفه في ((اختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين))، وكما قاله أبو اسحق الشيرازي إنما حل الأشعري في قلوب الناس لانتسابه إلى الحنابلة، وكان أئمة الحنبلية المتقدمين كأبي بكر عبد العزيز وأبي الحسين التميمي ونحوهما يذكرون كلام الأشعري ورجوعه وتوبته في كتبهم وتفقه على أبي اسحق المروزي الحنبلي وأخذ عن حنبيلة بغداد أموراً من العقائد وسائر العلوم الشرعية، وكان ذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم.

ومن أجلّ أصحابه القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلافي المتكلم فهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ليس في مثله لا قبله ولا بعده وقد تاب عن عقيدته وما يقول أهل الكلام ورجع إلى سلف الأمة وخيارها، ذكره ابن الصلاح والشيخ تقي الدين وغيرهما.

فالمنتسبون إليه لم يرجعوا كما رجع، بل خاضوا في علم الكلام حتى زعموا أن النصوص عارضها من معقولاتهم ما يجب تقديمه وهم حيارى في أصول مسائل التوحيد.
ولهذا كثير منهم لما لم يتبين له الهدى نكص على عقبيه فاشتغل باتباع شهوات الغي في بطنه وفرجه أو رياسته وماله ونحو ذلك لعدم العلم واليقين بما كان عليه السلف الصالح، وفي الحديث المأثور: ((إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومعضلات الغث في قلوبكم)) وهؤلاء المعرضون عن الطريقة النبوية يجتمع فيهم هذا وهذا. 
فهم بخلاف الفرقة المستثناة.

(ومنها) أن غالب ما يعتمدونه يؤول إلى دعوى لا حقيقة لها، أو شبهة مركبة من قياس فاسد، أو قضية كلية لا تصح إلا جزئية أو دعوى اجماع لا حقيقة له والتمسك في المذهب والدليل بالألفاظ المشتركة (وإذا كان فحول النظر) وشياطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر إلى الغاية وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات ثم لم يصلوا فيها إلا إلى حيرة وارتياب، وإما إلى الاختلاف بين الأحزاب، فكيف غيرهم المقلدون لهم ممن لم يبلغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه، أم كيف يكون هؤلاء المقلدون للمتكلمين الذين قد كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية أقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها****وسيرت طرقي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر****على ذقن أو قارعاً سن نادم

وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم وهو الفخر الرازي:

نهاية اقدام العقول عقال****وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا*****وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا*****سوى أن جمعنا فيه قيل وقال

من الذين أثنى الله عليهم في كتابه وممن استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم في جملة اتباعه وأحبابه لأن هؤلاء داخلون في عموم قوله تعالى:((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) فهم ورثة الأنبياء والخلفاء الراشدين وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، قد وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر اتباع الأنبياء، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق ما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة، بعكس من نبذ الكتاب رراءه واستدل بقول الأخطل، فإن من تأمل عقيدة المتكلم والمقلد له تأملاً يميز به بين الضدين ويفرق فيه بين الجنسين. علم يقيناً أن من أعرض عن الكتاب لم يعارضه إلا بما هو جهل بسيط أو مركب. فالأول ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ))
والثاني ((أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)) فأهل البسيط أهل الحيرة. وأهل المركب أرباب الاعتقادات الباطلة التي يزعمونها عقليات.
(ومنها) أن الإمام الشافعي رضي الله عنه تكلم على أهل الكلام ومن قلدهم فقال رحمه الله: (حكمي فيهم أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام والعقل)فإنهم أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء وأعطوا فهوماً وما أعطوا علوماً أعطوا سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون
ومن كان عليماً بذلك ظفر له مَن الفرقة المستثناة كيف كان حذقهم وفضلهم وعلمهم وان من لم يقتصر على ما جاء عن الله ورسوله لم يزدد من الله إلا بعداً فنسأل الله العظيم أن يهدينا صراطه المستقيم)). انتهى كلامه عليه رحمة الله.
فصل


الباعث على الكتابة في هذا الموضوع


وقد وقفتُ منذُ أيّام على رسالة على شبكة الانترنت –ضحكتُ منها كثيرا- عنون لها صاحبها بـ ((أهل السنّة والجماعة الأشاعرة)) !! دافع فيها صاحبها المسكين عن الأشاعرة دفاعاً باطلاً فلم يوفّق في شيء من دفاعه !!
ولستُ أدري أكان صاحبُ تلك الرسالة في كامل قواهُ العقلية حين كتب عنوان رسالته أو كان في حكم من رُفع عنهم القلم !!
فعن أيّ سنّة يتكلّم وعن أيّ جماعة ؟!!
إنّ الأشاعرة لا يعترفون بكلّ السنّة وإن زعموا خلاف ذلك وهم أهل فُرقة وإن أظهروا خلاف ذلك.
وإلا فقل لي بربّك .. مَن من الأشاعرة يرى العمل بالحديث الآحاد في أمور الاعتقاد ؟! 
والحديث الآحاد هو أغلب السنّة المروية ! 
قال إمامهم الفخر الرازي في كتابه ((أساس التقديس ص168)): ((أمّا التمسُّك بخبر الواحد في معرفة الله تعالى فغير جائز)) اهـ
فكيف يدّعي هؤلاء أنّهم أهل السنّة وهم يرفضون الاحتجاج في عقائدهم بأكثر السنّة ؟!
ألم يصرّح الأشاعرة برفض عقيدة ثبتت من طريق آحاد وإن رواها إمام عن إمام ؟! 
وقد صرّح بهذا سيّد قطب في ضلاله (6/4008).

وفي ذلك يقول محمّد الغزالي المعاصر: ((والأحاديث الصحاح من رواية الآحاد تفيد العلم المظنون لا العلم المستيقن، وقد اتّفق علماؤنا على العمل بها في فروع الشريعة.
ورأيتُ قلّة من الظاهرية والحنابلة يرون العمل بالآحاد في القضايا القطعية بيد أنّ هذا الرأي مردود.
على أيّة حال فعقائدنا تعتمد على نصوص متواترة سواء كان التواتر لفظيا أو معنوياً)) (الطريق من هنا ص 62)

والمقصود بالطريق من هنا أي: طريق الضلال لا طريق الرشاد !
وقال –عامله الله بعدله- ((إنّي آبى كلّ الإباء أن أربط مستقبل الإسلام كلّه بحديث آحاد مهما بلغت صحّته، كيف أجازف بعقائد أمّة شامخة الدّعائم عندما أقول: لا يؤمن بها من لم يؤمن بهذا الحديث)) (نفس المصدر)
الغزالي يأبى ! ولا يردي أن يربط مستقبل الإسلام !! ولا المجازفة بعقائد الأمّة !! بربكم أسمعتم بغرور مثل هذا الغرور ؟!

راجع في هذه المسألة الكتاب القيّم ((حجّية خبر الآحاد في الأقوال والأعمال)) للإمام الجليل والمجاهد الكبير ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى .

بل قد تجاوز الأشاعرة هذا الإفك والضلال بمراحل إلى ضلال أكبر وإفك أعظم فصرّحوا في غير ما موضع بوجوب تقديم العقل على النّقل حيثُ يصيرُ العقل هو القاضي على النّقل لا العكس !! والمقصود بالنّقل: الكتاب والسنّة !! وقد صرّح بذلك الفخر الرازي في أساس تقديسه والمطالب العالية ونهاية العقول وصرّح به الجويني قبله في إرشاده (ص359) !!

وقد قال محمّد الغزالي عن حديث رواه مسلم في صحيحه في شأن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((هذا الحديث يخالف القرآن حطّه تحت رجليك)) !!! وهذا في شريط مسجّل في تاريخ 5/4/1988م في جامعة الجزائر المركزية في مناقشة رسالة دكتوراه.

والحقّ أنّ الحديث الصحيح لا يخالف القرآن ولكنّ الغزالي يرفض كلّ ما خالف عقله هو والأمثلة على ذلك تكادُ لا تُحصى.

ثمّ .. أيّ جماعة هم الأشاعرة ؟! وقد جاء عن ابن مسعود الصحابي الإمام أنّ الجماعة من كان على الحقّ ولو كان وحده !!

فهل يرى الأشاعرة أنّهم على الحقّ ؟! فما حال القرون الأولى الذين جاءوا قبل أبي الحسن الأشعري ؟! أكانوا على الباطل ؟! أكانوا على الضلال ؟! أخفي عنهم الهدى إلى أن جاء أبو الحسن الأشعري ؟!

ولقد كانت بلادنا –الجزائر- وغيرها من بلاد المغرب الإسلامي على السنّة وعقيدة أهل الحديث ففُرضت عليها الأشعريةُ فرضاً وقهراً وقسراً من طرف مدّعي المهدوية محمّد بن تومرت (ت 524هـ) عامله الله بعدله، فما إن عاد ابن تومرت من رحلته المشرقية -حيث التقى بعض رؤوس الضلال من الأشاعرة- إلى المغرب حتى شرع في نشر باطله حيث كوّن أتباعاً له يُعرفون بالموحدّين -وهم إلى التعطيل أقرب منهم إلى التوحيد- فكفّروا أهل السنّة والجماعة السلفيين في المغرب العربي واستباحوا دمائهم وأعراضهم وانتهكوها وأرغموهم على التحوّل من عقيدة أهل الحديث السلفية إلى عقيدة أهل الضلال الأشعرية !! (انظر المقدّمة لابن خلدون ص230) 


ثمّ .. كيف تكونون على الحقّ والهُدى وأنتم تتّبعون رجُلا تاب عمّا تتبعونه عليه ؟! فعن أيّ شيء تاب الأشعري وإلى أيّ شيء رجع ؟! أم إنّكم تنفون هذه الحقيقة التي تطعنكم في أكبادكم .. حقيقة رجوع أبي الحسن الأشعري من عقيدة ابن كلاّب إلى عقيدة ابن حنبل !!

قال العلامة الإمام عبد الرحمن بن يحي المعلّمي رحمه الله: ((أمّا الأشعري فكان أوّلاً، مُعتزلياً، ثمّ فارق المعتزلة وخالفهم في مسائل وبقي على التعمّق، ثمّ رجع أخيراً كما يظهر في كتابه ((الإبانة)) إلى مذهب أصحاب الحديث، وكتابه ((الإبانة)) مشهور، وقد طُبع مراراً، والأشعرية لا يكادون يلتفتون إليه)) اهـ ((القائد إلى تصحيح العقائد ص 69-70 المكتب الإسلامي ط3)) 
أم إنّكم ستُكابرون وتقولون كما قال كوثريُّكم: إنّ كتاب الإبانة للأشعري مرحلة تمهيدية للعوام ليتدرّج بهم من التشبيه إلى التنزيه !!!

قال الكوثري –عامله الله بعدله- في تعليقه على ((تبيين كذب المفتري)) لابن عساكر رحمه الله (ص 28،392): ((إنّما ألّف أبو الحسن ((الإبانة)) على طريقة المفوّضة من السلف، وأراد بها انتشال المُتورّطين في أوحال التشبيه من الرواة والتدرُّج بهم إلى مُستوى الاعتقاد الصحيح، الذي هو مذهب الخلف ...)) اهـ

وقال أيضاً: ((ثمّ دخل بغداد –أي: أبو الحسن- وسعى بكلّ حكمة أن يتدرّج بمُتقشّفة الحشوية إلى مُعتقد السنّة بكتاب ((الإبانة)) الذي ألّفه أوّل ما دخل بغداد، ...)) اهـ 

فأيّ عاقل يقول مثل هذا الكلام ؟! وأيُّ أحمق يصدّقه ؟!

وأين قول الله تعالى : ((يا أيُّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة)) ؟!!

ثمّ انظر إليه كيف نسب السلف إلى التفويض وهذه مغالطة مكشوفة وخذعة مفضوحة.

يقول العلامة الأستاذ الشيخ علي بن ناصر الفقيهي حفظه الله وعافاه وشفاهُ مُعلّقاً على كلام الكوثري المُتقدّم: ((ثمّ قوله: إلى مُعتقد أهل السنّة. من هم أهل السنّة عنده ؟

يجبُ عليك أيّها القارئ أن تعلم أنّ مقصوده بأهل السنّة أهل الكلام الذين يؤولون ويحرّفون كلّ ما جاء في كتاب الله وثبت في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم هؤلاء هم أهل السنّة.

ويجبُ أن تعلم أيضاً أنّ هؤلاء هم الذين حكم عليهم الإمام الشافعي أن يُضربوا بالجريد والنّعال)) اهـ (الذبّ عن أبي الحسن الأشعري لابن درباس، ص116 تحقيق علي الفقيهي، دار الإمام أحمد))

أم إنّكم ستقولون كما قال الأهوازيُّ في الطّعن في أبي الحسن الأشعري، أنّه ما ألّف كتابه ((الإبانة)) إلا تقيّة من الحنابلة !!

يقول الحافظ ابن عساكر عليه رحمة الله ردّا على مقالة الأهوازي الكذّاب: ((وما ذكر في معنى كتاب الإبانة فقول بعيد من أقوال أهل الديانة، فكيف يصنع المُسلمُ كتاباً يُخلده، وهو لا يقول بصحّة ما فيه ولا يعتقدُهُ ؟!

وقوله –لا أحسن الله له رعاية- ((إنّ أصحاب الأشعري جعلوا الإبانة من الحنابلة وقاية)). فمن جملة أقواله الفاسدة وتقوّلاته المُستبعدة الباردة،بل هم يعتقدون ما فيها أشدّ اعتقاد، ويعتمدون عليها أشدّ اعتماد، فإنّهم بحمد الله ليسوا معتزلة، ولا نفاة لصفاة الله مُعطّلة، لكنّهم يُثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتّصف به في مُحكم الآيات، وبما وصفه به نبيّه صلى الله عليه وسلّم، في صحيح الروايات ..)) اهـ


فيا معشر الأشاعرة توبوا إلى الله تعالى وارجعوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان وكفاكم سخرية بعقول المسلمين وكفاكم تلاعباً بعقيدة المسلمين وكفاكم تدليساً وتلبيساً وغشّاً للمسلمين.



فصل


التقرُّبُ إلى الله ببغض أهل البدع

إنّ الذي بين يديك أخي القارئ تعليقٌ -بما فتح الله به عليّ- على مقال لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله عن الأشاعرة بعنوان ((نظرة في مذهب الأشاعرة)) منشور على موقعه الرسمي.

والله يعلم أنّي لستُ أهلا لذلك .. ولكنّها الغيرة على العقيدة السلفية.

والله يشهدُ أنّي أبغض الأشاعرة –وسائر أهل الضلال- وأتقرّبُ إلى الله ببغضهم ولعلّ هذا أرجى أعمالي –بعد كلمة التوحيد- التي أحتسبها عند الله تعالى.
ولقد لقيتُ منهم ما أكرهُ في الكثير من المنتديات البدعية وما ذلك عنهم بجديد.
وأقول لهم ما قاله فيهم الإمام أبو محمّد القحطاني -عليه رحمة الله-:

يا معشر المتكلمين عدوتم ***** عدوان أهل السبت في الحيتان
كفّرتم أهل الشريعة والهدى **** وطعنتم بالبغي والعدوان
فلأنصرن الحق حتى أنني ***** آسطو على ساداتكم بطعاني
الله صيرني عصا موسى لكم***** حتى تلقف افككم ثعباني
بأدلة القرآن أبطل سحركم **** وبه ازلزل كل من لاقاني
هو ملجئي هو مدرئي وهو منجني **** من كيد كل منافق خوان
إن حل مذهبكم بأرض أجدبت ***** أو أصبحت قفرا بلا عمران
والله صيرني عليكم نقمة **** ولهتك ستر جميعكم أبقاني
أنا في حلوق جميعهم عود الحشا **** اعيى أطبتكم غموض مكاني
أنا حية الوادي أنا أسد الشرى **** أنا مرهف ماضي الغرار يماني
بين ابن حنبل وابن إسماعيلكم **** سخط يذيقكم الحميم الآن
داريتم علم الكلام تشزرا **** والفقه ليس لكم عليه يدان
الفقه مفتقر لخمس دعائم **** لم يجتمع منها لكم ثنتان
حلم وإتباع لسنة أحمد **** وتقى وكف أذى وفهم معان
آثرتم الدنيا على أديانكم **** لا خير في دنيا بلا أديان
وفتحتم أفواهكم وبطونكم **** فبلغتم الدنيا بغير توان
كذبتم أقوالكم بفعالكم **** وحملتم الدنيا على الأديان
قراؤكم قد أشبهوا فقهاءكم **** فئتان للرحمن عاصيتان
يتكالبان على الحرام وأهله **** فعل الكلاب بجيفة اللحمان
يا اشعرية هل شعرتم أنني **** رمد العيون وحكة الأجفان
أنا في كبود الأشعرية قرحة **** اربو فأقتل كل من يشناني
ولقد برزت إلى كبار شيوخكم **** فصرفت منهم كل من ناواني
وقلبت ارض حجاجهم ونثرتها **** فوجدتها قولا بلا برهان
والله أيدني وثبت حجتي **** والله من شبهاتهم نجاني
والحمد لله المهيمن دائما **** حمدا يلقح فطنتي وجناني
أحسبتم يا اشعرية إنني **** ممن يقعقع خلفه بشنان
أفتستر الشمس المضيئة بالسها **** أم هل يقاس البحر بالخلجان
عمري لقد فتشتكم فوجدتكم **** حمرا بلا عن ولا أرسان
أحضرتكم وحشرتكم وقصدتكم **** وكسرتكم كسرا بلا جبران
أزعمتم أن القرآن عبارة **** فهما كما تحكون قرآنان
إيمان جبريل وإيمان الذي **** ركب المعاصي عندكم سيان
هذا الجويهر والعريض بزعمكم **** أهما لمعرفة الهدى أصلان
من عاش في الدنيا ولم يعرفهما **** وأقر بالإسلام والفرقان
أفمسلم هو عندكم أم كافر **** أم عاقل أم جاهل أم واني
عطلتم السبع السموات العلا **** والعرش اخليتم من الرحمن
وزعمتم أن البلاغ لأحمد **** في آية من جملة القرآن
هذي الشقائق والمخارف والهوى **** والمذهب المستحدث الشيطاني
سميتم علم الأصول ضلالة **** كاسم النبيذ لخمرة الأدنان
ونعت محارمكم على أمثالكم **** والله عنها صانني وحماني
أني اعتصمت بجبل شرع محمد **** وعضضته بنواجذ الأسنان
اشعرتم يا اشعرية أنني **** طوفان بحر أيما طوفان
أنا همكم أنا غمكم أنا سقمكم **** أنا سمكم في السر والإعلان
أذهبتم نور القرآن وحسنه **** من كل قلب واله لهفان
فوحق جبار على العرش استوى **** من غير تمثيل كقول الجاني
ووحق من ختم الرسالة والهدى **** بمحمد فزها به الحرمان
لأقطعن بمعولي أعراضكم **** ما دام يصحب مهجتي جثماني
ولأهجونكم واثلب حزبكم **** حتى تغيب جثتي أكفاني
ولأهتكن بمنطقي أستاركم **** حتى أبلغ قاصيا أو داني
ولأهجون صغيركم وكبيركم **** غيظا لمن قد سبني وهجاني
ولأنزلن إليكم بصواعقي **** ولتحرقن كبودكم نيراني
ولأقطعن بسيف حقي زوركم **** وليخمدن شواظكم طوفاني
ولأقصدن الله في خذلانكم **** وليمنعن جميعكم خذلاني
ولأحملن على عتاة طغاتكم **** حمل الأسود على قطيع الضان
ولأرمينكم بصخر مجانقي **** حتى يهد عتوكم سلطاني
ولأكبتن إلى البلاد بسبكم **** فيسير سير البزل بالركبان
ولأدحضن بحجتي شبهاتكم **** حتى يغطي جهلكم عرفاني
ولأغضبن لقول ربي فيكم **** غضب النمور وجملة العقبان
ولأضربنكم بصارم مقولي **** ضربا يزعزع أنفس الشجعان
ولأسعطن من الفضول أنوفكم **** سعطا يعطس منه كل جبان
إني بحمد الله عند قتالكم **** لمحكم في الحرب ثبت جنان
وإذا ضربت فلا تخيب مضاربي **** وإذا طعنت فلا يروغ طعاني
وإذا حملت على الكتيبة منكم **** مزقتها بلوامع البرهان
الشرع والقرآن أكبر عدتي **** فهما لقطع حجاجكم سيفان
ثقلا على أبدانكم ورؤوسكم **** فهما لكسر رؤوسكم حجران
إن أنتم سالمتم سولمتم **** وسلمتم من حيرة الخذلان
ولئن ابيتم واعتديتم في الهوى **** فنضالكم في ذمتي وضماني
يا اشعرية يا اسافلة الورى **** يا عمي يا صم بلا آذان
أني لأبغضنكم وأبغض حزبكم **** بغضا أقل قليله أضغاني
لو كنت أعمى المقتلتين لسرني **** كيلا يرى إنسانكم إنساني
تغلي قلوبكم علي بحرها **** حنقا وغيظا أيما غليان
موتوا بغيضكم وموتوا حسرة **** وأسا علي وعضوا كل بنان
قد عشت مسرورا ومت مخفرا **** ولقيت ربي سرني ورعاني
وأباحني جنات عدن آمنا **** ومن الجحيم بفضله عافاني
ولقيت أحمد في الجنان وصحبه **** والكل عند لقائهم أدناني
لم أدخر عملا لربي صالحا **** لكن بإسخاطي لكم أرضاني
أنا تمرة الأحباب حنظلة العدا **** أنا غصة في حلق من عاداني
وأنا المحب لأهل سنة أحمد **** وأنا الأديب الشاعر القحطاني




فصل
التعليق على المقال


قال الشيخ عبد الرحمن حفظه الله:

((الحمد لله وبعد : لقد بعث الله نبينا محمدًا صلى الله عليهوسلم- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وقد تحقق هذا كما وعد- سبحانه وتعالى- فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ليلاً ونهارًاسرًّا وجهرًا بقوله وفعله حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، فما مات صلى اللهعليه وسلم حتى أكمل الله له ولأمته دينهم، وأتم عليهم نعمته، كما جاء في الآيةالكريمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة، وقد ترك أمته علىالمحجة البيضاء ليلها كنهارها، يعني: أنه صلى الله عليه وسلم قد بين هذا الدينأكمل بيان، فبلغ رسالات ربه كما أمره الله بقوله: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )) (المائدة: من الآية67).

وأمر صحابته، رضي الله عنهم، أن يبلغوا فقال في خطبته فيحجة الوداع: 
(( لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ)).
وقال: ((بَلِّغُوا عَنِّيوَلَوْ آيَةً)).
فقام أصحابه، رضوان الله عليهم، بالبلاغ والدعوة، والجهاد أسوةبنبيهم صلى الله عليه وسلم، وانتشر الإسلام بالمعمورة شرقًا وغربًا. 

وقد أخبر- صلى الله عليه وسلم- أنه يطرأ على هذه الأمة افتراق واختلاف، وبين أن الفرقةالناجية هم من كانوا على مثل ما كان عليه- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، رضي اللهعنهم، كما أخبر صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كمابدأ، وقد وقع الأمر كما أخبر عليه الصلاة والسلام))



التعليق: 
لقد أصبح أهل السنّة -اليوم- غرباء حقاً حتى مع أهليهم فضلا عن غيرهم فتارة يُتّهمون بالعمالة وتارة بالجاسوسية وتارة بالتخاذل عن نصرة القضايا الساخنة وتارة بالغلاة وتارة بفرقة الجرح والتجريح وتارة أخرى يُتّهمون بأنّهم جاءوا بدين جديد !! 
فكيف لا يصدُقُ عليه وصفُ الغرباء وقد تنكّرت لهم أُسرهم وتنكّرت لهم مُجتمعاتهم ؟!

لمّا ذهبت خديجة أمّ المؤمنين رضي الله عنها برسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى ابن عمّها ورقة بن نوفل رحمه الله قال ورقة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((يابن أخي، ماذا ترى‏؟‏ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة‏:‏ هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏أو مخرجيّ هم‏؟‏‏)‏ قال‏:‏نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ،...))

فلتقرّ عين السلفيين .. فهذه سنّة الله في خلقه .. وليعتبروا بما حدث للإمام أحمد من سجن وتعذيب ولشيخ الإسلام ابن تيمية من سجن وتعذيب وكذا لتلميذه الإمام ابن القيّم وكذا شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب رحمهم الله أجمعين .. يقول الله تعالى: ((سنّة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلا))





فصل



الجذور اليهودية في العقيدة الأشعرية


قال الشيخ عبد الرحمن:
((وبدأ الافتراق في الأمة منذ أنظهرت الخوارج والرافضة، والمرجئة والقدرية، ثم تفرعت الفرق،وتعددت، وظهرت بدعةالتعطيل التي يعرف أهلها بمؤسسها الجهم بن صفوان، وهم الجهمية، وتفرع عن بدعةالتعطيل، فرق شتى اضطربت مذاهبهم في صفات الله، وفي كلامه، وفي القدر))


التعليق:
إنّ الذي يهمّنا في هذا الكلام هو ظهور بدعة التّعطيل التي يُسمّيها أهلها بـ ((التنزيه)) فقد ظهرت هذه البدعة لأوّل مرّة على يد الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها، فنُسبت مقالة الجهمية إليه.

وقيل أنّ الجعد أخذ مقالته في نفي صفات الله جلّ وعلا عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النّبي صلى الله عليه وسلّم !! كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ونقلها عنه العلامة محمّد خليل هرّاس في شرحه للنّونية (1/32).
فما بالك بعقيدة مصدرها ساحرٌ يهودي ؟! 

ثمّ إنّ الجهمية تفرّقت إلى فرق وتشعّبت إلى شعب وضلّل بعضها بعضاً ولكن يجمع جميع هذه الفرَق القول بأن ليس في السماء ربٌ و ليس على العرش إلاه يُعبد !! بل عطّلوا منه السماوات العُلى.
وكذلك يجمعهم القول بخلق القرآن !! فكلام الله عندهم مخلوق محدثٌ منفصلٌ عنه كسائر مفعولاته !!

وللأشاعرة الحظّ الأفر والنّصيب الأكبر من هذه العقيدة الضالّة المضلّة !! وسيأتيك بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.





فصل



حال الأمّة الإسلامية قبل ظهور بدعة الأشعرية


قال العلامة أبو العباس أحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة (ت 845 هـ) في كتابه ((المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 2/356)) مبيّناً ما كان عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين من اعتقاد في ذات الله تعالى وما إلى ذلك قبل ظهور الاعتقاد الأشعري المُبتدعُ، قال عليه رحمة الله:

((ذِكْرُ الحال في عقائد أهل الإسلام منذ ابتداء الملَّة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية:
اعلم أنَّ الله تعالى لَمَّا بعث من العرب نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى الناس جميعاً وصف لهم ربَّهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسَه الكريمة في كتابه العزيز الذي نزل به على قلبه صلى الله عليه وسلم الروحُ الأمين، وبما أوحى إليه ربُّه تعالى، فلم يسأله صلى الله عليه وسلم أحدٌ من العرب بأسرهم قرَويُّهم وبَدويُّهم عن معنى [أي: كيفية]شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عن أمر الصلاة والزكاة والصيام والحجِّ وغير ذلك مِمَّا لله فيه سبحانه أمرٌ ونهيٌ، وكما سألوه صلى الله عليه وسلم عن أحوال القيامة والجنَّة والنار؛ إذ لو سأله إنسانٌ منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنُقل كما نُقلت الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في أحكام الحلال والحرام، وفي الترغيب والترهيب وأحوال القيامة والملاحم والفتن ونحو ذلك مِمَّا تضمَّنته كتبُ الحديث، معاجمها ومسانيدها وجوامعها.

ومَن أمعن النَّظر في دواوين الحديث النَّبوي ووقف على الآثار السلفية، عَلِم أنَّه لَم يَرد قطُّ من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم - على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم – أنَّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مِمَّا وصف الربُّ سبحانه به نفسَه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، بل كلُّهم فهموا معنى ذلك، وسكتوا عن الكلام في الصفات.

نعم! ولا فرَّق أحدٌ منهم بين كونها صفةَ ذات أو صفةَ فعل، وإنَّما أثبتوا له تعالى صفات أزليَّة: من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعز والعظمة، وساقوا الكلام سوقاً واحداً، وهكذا أثبتوا – رضي الله عنهم – ما أطلقه الله سبحانه على نفسه الكريمة: من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين، فأثبتوا – رضي الله عنهم – بلا تشبيه، ونزَّهوا من غير تعطيل.

ولم يتعرَّض مع ذلك أحدٌ منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم ما يستدلُّ به على وحدانية الله تعالى وعلى إثبات نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم سوى كتاب الله، ولا عرف أحدٌ منهم شيئاً من الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة، فمضى عصرُ الصحابة رضي الله عنهم على هذا، إلى أن حدث في زمنهم القولُ بالقدر، وأنَّ الأمرَ أنفة، أي: أنَّ الله تعالى لم يُقدِّر على خلقه شيئاً مِمَّا هم عليه. . . )).

يقول العلامة الشيخ عبد المحسن العبّاد حفظه الله تعالى معلّقاً:

((وهذا الذي أوضحه المقريزي هو ما كان عليه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ظهور الفرق المختلفة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية الذي مرَّ ذكرُه قريباً: ((فإنَّه مَن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنَّتِي وسُنَّة الخلفاء المهديِّين الراشدين، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)).

وليس من المعقول أن يُقال في شيء من مذاهب هذه الفرق المختلفة في العقيدة التي حدثت في أواخر عهد الصحابة وبعده، كالقدرية والمرجئة والأشاعرة وغيرها، ليس من المعقول أن يُقال في شيء من ذلك: إنَّه الحقُّ والصواب، بل الحقّ الذي لا شكَّ فيه هو ما كان عليه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان شيء من هذه المذاهب حقًّا لسبقوا إليه رضي الله عنهم وأرضاهم، فلا يُعقل أن يُحجب حقٌّ عن الصحابة ويُدَّخر لأناس يجيئون بعدهم، قال إبراهيم النخعي كما في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/97):((لَم يُدخَّر لكم شيءٌ خُبِّئَ من القوم لفضل عندكم))... )) اهـ (قطف الجنى الداني شرح مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني ص 13_15)

فصل


تأويل الأشاعرة شرٌّ وأخبث من تعطيل المعطّلة وضررهم على الإسلام أعظم من ضرر الجهمية والمعتزلة


قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في كتابه ((الصواعق المرسلة على الجهمية المُعطّلة، اختصار الشيخ الموصلي 1/77-وما بعدها تحقيق رضوان جامع رضوان))

الفصل العاشر: في أن التأويل شر من التعطيل فإنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها:

فإن المعطل والمؤول قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصفات.
وامتاز المؤول بتلاعبه بالنصوص وانتهاكه لحرمتها وإساءة الظن بها ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال فجمعوا بين أربعة محاذير:
1) اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله المحال الباطل ففهموا التشبيه أولا ثم انتقلوا عنه إلى المحذور الثاني:

2) وهو التعطيل فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي يليق بهم ولا يليق بالرب جل جلاله. 

3) المحذور الثالث: نسبة المتكلم الكامل العلم الكامل البيان التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد وإن المتحيرين المتهوكين أجادوا العبادة في هذا الباب وعبروا بعبارة لا توهم من الباطل ما أوهمته عبارة المتكلم بتلك النصوص ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه أو أفصح أو أنصح للناس.

4) المحذور الرابع تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها فلو رأيتها وهم يلوكونها بأفواههم وقد حلت بها المثلات وتلاعبت بها أمواج التأويلات وتقاذفت بها رياح الآراء واحتوشتها رماح الأهواء ونادى عليها أهل التأويل في سوق من يزيد فبذل كل واحد في ثمنها من التأويلات ما يريد فلو شاهدتها بينهم وقد تخطفتها أيدي الاحتمالات ثم قيدت بعدما كانت مطلقة بأنواع الإشكالات وعزلت عن سلطنة اليقين وجعلت تحت حكم تأويل الجاهلين هذا وطالما نصبت لها حبائل الإلحاد وبقيت عرضة للمطاعن والإفساد وقعد النفاة على صراطها المستقيم بالدفع في صدورها والأعجاز.

وقالوا: لا طريق لك علينا وإن كان لا بد فعلى سبيل المجاز فنحن أهل المعقولات وأصحاب البراهين وأنت أدلة لفظية وظواهر سمعية لا تفيد العلم ولا اليقين فسندك آحاد وهو عرضة للطعن في الناقلين وإن صح وتواتر ففهم مراد المتكلم منه موقوف على انتفاء عشرة أشياء لا سبيل إلى العلم بانتفائها عند الناظرين والباحثين فلا إله إلا الله والله أكبر كم هدمت بهذه المعاول من معاقل الإيمان وثلمت بها حصون حقائق السنة والقرآن وكم أطلقت في نصوص الوحي من لسان كل جاهل أخرق ومنافق أرعن وطرقت لأعداء الدين الطريق وفتحت الباب لكل مبتدع وزنديق ومن نظر في التأويلات المخالفة لحقائق النصوص رأى من ذلك ما يضحك عجبا ويبكي حزنا ويثير حمية للنصوص وغضباقد أعاد عذب النصوص ملحا أجاجا وخرجت الناس من الهدى والعلم أفواجا فتحيزت كل طائفة إلى طاغوتها وتصادمت تصادم النصارى في شأن ناسوتها ولاهوتها ثم تمالأ الكل على غزو جند الرحمن ومعاداة حزب السنة والقرآن فتداعوا إلى حربهم تداعي الأكلة إلى قصعتها وقالوا نحن وإن كنا مختلفين فإنا على محاربة هذا الجند متفقون فميلوا بنا عليهم ميلة واحدة حتى تعود دعوتهم باطلة وكلمتهم خامدة وغر المخدوعين كثرتهم التي ما زادتهم عند الله ورسوله وحزبه إلا قلة وقواعدهم التي ما زادتهم إلا ضلالا وبعدا عن الملة وظنوا أنهم بجموعهم المعلولة يملأون قلوب أهل السنة إرهابا منهم وتعظيما.((وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)).

وأنت إذا تأملت تأويلات القرامطةوالملاحدة والفلاسفة والرافضة والقدرية والجهمية ومن سلك سبيل هؤلاء من المقلدين لهم في الحكم والدليل ترى الإخبار بمضمونها عن الله ورسوله لا يقصر عن الإخبار عنه بالأحاديث الموضوعة المصنوعة التي هي مما عملته أيدي الوضاعين وصاغته ألسنة الكذابين فهؤلاء اختلقوا عليه ألفاظا وضعوها وهؤلاء اختلقوا في كلامه معاني ابتدعوها فيا محنة الكتاب والسنة بين الفريقين وما نازلة نزلت بالإسلام إلا من الطائفتين فهما عدوان للإسلام كائدان وعن الصراط المستقيم ناكبان وعن قصد السبيل جائران فلو رأيت مايصرف إليه المحرفون أحسن الكلام وأبينه وأفصحه وأحقه بكل هدى وبيان وعلم من المعاني الباطلة والتأويلات الفاسدة لكدت تقضي من ذلك عجبا وتتخذ في بطن الأرض سربا فتارة تعجب وتارة تغضب وتارة تبكي وتارة تضحك وتارة تتوجع لما نزل بالإسلام وحل بساحة الوحي ممن هم أضل من الأنعام)). اهـ




وقال الإمام عبد الغني المقدسي في كتابه ((الاقتصاد في الاعتقاد ص22-23 تحقيق أحمد بن عطية الغامدي مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الأولى، 1414هـ/1993م)):

واعلم ـ رحمك الله ـ أن الإسلام وأهله أتو من طوائف ثلاث ، فطائفة ردت أحاديث الصفات وكذبوا رواتها [قال المحقّق: وهم الجهمية أتباع الجهم بن صفوان الترمذي، ومن قال برأيه من المعنزلة] ، فهؤلاء أشد ضرراً على الإسلام وأهله من الكفار.

وأخرى قالوا بصحتها وقبولها، ثم تأولوها [قال المحقّق: وهم جمهور الأشاعرة الذين قبلو النصوص، وفضلوا جانب التأويل لمعانيها. وقد وصفهم الإمام ابن القيم بأنهم أشد الناس اضطراباُ. الصواعق 1/245.]، فهؤلاء أعظم ضرراً من الطائفة الأولى.

والثالثة: جانبوا القولين الأولين، وأخذوا بزعمهم ـ ينزهون وهم يكذبون[قال المحقّق: لعله يريد بذلك من سلك مسلك التجهيل وهؤلاء من الأشاعرة أيضاً، حيث قالوا: إن نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها، ولا يدرى ما أراد الله ورسوله منها.انظر الصواعق 2/429. وهم يزعمون أنهم بهذا القول ينزهون الله عن مشابهة خلقه، لأنهم يرون إجراء النصوص على ظاهرها تشبيهاً]، فأداهم ذلك إلى القولين الأولين، وكانوا أعظم ضرراً من الطائفتين الأولتين.

فمن السنة اللازمة السكوت عما لم يرد فيه نص عن الله ورسوله ، أو يتفق المسلمون على إطلاقه، وترك التعرض له بنفي أو إثبات.
فكما لا يثبت إلا بنص شرعي، كذلك لا ينفى إلا بدليل سمعي.
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يرضيه من القول والعمل والنية.)) اهـ


فأنت تترى كيف جعل الإمام المقدسي ضرر الأشاعرة أعظم وأكبر من ضررر الجهمية الذين هم أشدُّ على هذه الأمّة ضرراً من الكُفّار !!

ووصف الإمام أبو نصر السجزي الأشاعرة بأنهم متكلمون وفرقة محدثة وأنهم أشد ضرراً من المعتزلة فقال:
((فكل مدّع للسُنّة يجب أن يُطالَب بالنقل الصحيحبما يقوله، فإن أتى بذلك عُلم صدقه، وقُبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، عُلم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يصغا إليه أو يناظر في قوله، 

وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهمعنهم بيّن، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون:قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي...ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى محدثاً بل يسمى سنياً متبعاً،وأن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً ، مخالفاً، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا بتأمل هذا الفصل في أول وهلة، ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم، وأن المبتدعةخصومنا دوننا) انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص100-101) .

ثم قالرحمه الله((ص222- 223 )): (ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء؛ بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهموهم أبو محمد بن كلابوأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري ...وفي وقتنا أبو بكر الباقلاني ببغداد وأبو إسحاق الإسفرائني وأبوبكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة...))

ثم قال : ((وكلّهم أئمّةُ ضَلالة يدعونَ النّاسَ إلى مخالفةِ السّنةِ وتركِ الحديث....))

ثمّ بيّن رحمه الله تعالى وجه كون الأشاعرة أخطر وأجرم من المعتزلة فقال ص177-178: 
((لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تُمَوِّه.بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة ... فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. 
والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه ا.هـ .



فصل


الردُّ إلى الكتاب والسنّة عند التنازع ومخالفة الأشاعرة لهذا الأصل 


ومخالفتهم للعقل والنّقل والفطرة


قال الشيخ عبد الرحمن:

((فغلبت على الأمة هذه المذاهب، ولكن الله قد ضمن حفظ كتابه ودينه، فلم يزل في هذه الأمة منيقيم لها أمر دينها بالبيان، كما جاء في الحديث المشهور: (( يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَمِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْه انْتِحالَ المُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَالجَاهِلِينَ وتَحْرِيفَ الغَالِينَ )) .

وفي الحديث الآخر: ((إنَّ اللهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لهذه الأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا)).

ومع هذا الافتراق، وهذا الاختلاف لابدّ من رد ما اختلف فيه الناس إلى كتاب الله،وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، واعتبار ذلك بما كان عليه الصحابة، رضي الله عنهم،وإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وقد وعد الله بالرضا والجنة السابقين الأوَّلين منالمهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى : ((وَالسَّابِقُونَالأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمبِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْجَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَالْفَوْزُالْعَظِيمُ)) [التوبة:100])).



التعليق:

الأصل في كلّ ما تنازع فيه النّاس من أمور الدّين هو الردُّ إلى الكتاب والسنّة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم لقول الله تعالى: ((يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولس الأمر منكم. فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلا)) 
وقوله تعالى: ((وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)).
وقوله تعالى: ((ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنّم وسائت مصيرا)).

والردُّ إلى الله هو الردُّ إلى كتابه، والردُّ إلى رسول الله هو الردُّ إلى سنّته، وسبيل المؤمنين هو منهج الصحابة المشهود لهم بالخيرية والفضل وحسن الاعتقاد والسلوك وكذا تابعيهم وتابعو التابعين رضي الله عنهم أجمعين.

ولكن السؤال الذي يطرحُ نفسهُ: هل آمن الأشاعرة بهذا كلّه ؟! 

بمعنى: هل يحتكم الأشاعرة إلى الكتاب والسنّة ومنهج الصحابة ؟! 

الجواب: لا !!
ولنظرب لذلك مثالاً ..
الله تعالى أخبرنا في سبع مواضع من الكتاب أنّه في السماء وأنّه مستو على العرش ورسول الله صلى الله عليه وسلّم أخبرنا في عدّة أحاديث أنّ الله في السماء كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي رواه مالك ومسلم وغيرهما ...

فما موقف الأشاعرة من كون الله في السماء وكونه مستو على عرشه كما يليق بجلاله وكماله ؟!

الجواب: لا يُؤمنُ الأشاعرة لا بهذا ولا بذاك !!

بل يقولون كما في أمّهات كتبهم كالعقيدة السنوسية المُسمّاة: أمّ البراهين و شرح البيجوري على متن جوهرة التوحيد و أساس التقديس للرازي وغيرها يقولون ويصرّحون أنّ الله تعالى : لا داخل العالم ولا خارجه ! ولا تحته ولا فوقه ! ولا عن يمينه ولا عن شماله ! ولا أمامه ولا خلفه !!!

وقد صنّف أحد أشاعرة زماننا واسمه (سعيد فوده) كتاباً عنون له: ((حسنُ المحاججه في بيان أنّ الله لا داخل العالم ولا خارجه)) !! فردّ عليه الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الخميس في رسالة أسماها ((نقد قول من تبع الفلاسفة في دعواهم أنّ الله لا داخل العالم ولا خارجه)).

ويقولون أنّ معنى ((الرحمن على العرش استوى)) أي: استولى !! فصدق فيهم قول القائل: ((لام)) الأشاعرة كـ ((نون)) اليهود !! قيل لليهود: قولوا حطّة فقالوا: حنطة !! وقيل للأشاعرة: الرحمن على العرش استوى، فقالوا استولى !!

فما دليلهم على هذا ومن أين جاءوا به ومن سلفهم في ذلك ؟!
أمّا دليلهم فهو بيتٌ شعري منسوب إلى الشاعر النّصراني المدعو: الأخطل !! 
يقول فيه:

قد استوى بشر على العراق **** من غير سيف ولا دم مهراق


وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال في لاميته:

قبحاً لمن نبذ الكتاب وراءهُ **** وإذا استدلّ يقول قال الأخطلُ


وأمّا من سلفهم في هذا فهم الجهمية كما ذكرتُ لك سابقا وسلفُ الجهمية اليهود كما هو مذكور !!

فما هذا الاعتقاد الذي أصله يهودي ودليله شاعر نصراني ؟!





فصل


ردُّ الأشاعرة للنّصوص الدالّة على علوّ الله تعالى بأساليب مُلتوية


فما موقف الأشاعرة من الأحاديث الدّالة على أنّ الله في السماء كقوله عليه السلام للجارية: ((أين الله)) ؟ فقالت ((في السماء)) فقال لها: ((من أنا)) ؟ قالت ((أنت رسول الله)) فقال لمولاها: ((أعتقها فإنّها مؤمنة)) .. وغيرها من الأحاديث الكثيرة ؟!

الجواب:
موقفهم هو رفض هذه الأحاديث وإن رواها البخاري ومسلم !

فما حجّتهم في ذلك ؟ 

قالوا هذه الأحاديث ليست متواترة وإنّما هي آحاد والآحاد لا يُعتمدُ عليه في باب الاعتقاد !! 

فما دليلهم على هذا القول ومن سبقهم إليه ؟!

أمّا ما دليلهم فهذا الجواب عنه مُتعذّر لأنّه لا دليل لهم عليه !! اللهم إلا الهوى ! 

أمّا من سلفهم في هذا فهم المعتزلة الذين أخذوا دينهم من فلاسفة اليونان والجهمية الذين أخذوا دينهم من اليهود !!

طيّب .. ولكنّ القرآن مُتواترٌ وفيه آيات كثيرة تنصُّ على علوّ الله تعالى على خلقه وأنّه في السماء أي فوق السماء ؟! فهل يأخذ الأشاعرة بالقرآن ؟!

الجواب: لا وللأسف !!

فإنّ في دين الأشاعرة لا تُؤخذُ العقيدة إلا من نصّ قطعي الثبوت -أي متواتر- قطعيّ الدلالة !! 
والقرآن وإن كان قطعي الثبوت فليس كلّ آياته قطعية الدلالة !! –هذا في دين الأشاعرة طبعاً-

فقوله تعالى: ((أأمنتم من في السماء)) ... الآية تحتمل وتحتمل !!

فقد يكون المعنى: أأمنتم من قدرهُ عال في السماء !! أو أأمنتم من شأنه عال !!
أو لعلّ قوله تعالى ((أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض)) يريد به جبريل عليه السلام فهو الذي خسف الأرض بسدوم –قوم لوط- كما هو معلوم !!
وبهذا قال الكوثري !!

وهذا دجل وخلط وتدليس وتلبيس لا يخفى على ذي لبّ !

قال علي بن محمّد أبو الحسن في شرحه على رسالة ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله المسمّى ((كفاية الطالب الربّاني ص 50-51 مطبوع بهامش حاشية علي الصعيدي العدوي على الكفاية، مطبعة القاهرة)):
قال عند قول الإمام ابن أبي زيد: ((فوق عرشه المجيد بذاته)): أخذ عليه في قوله بذاته لأنّ هذه اللفظة لم يرد بها السمعُ، وأحسن ما قيل في دفع الإشكال أنّ الكلام يتّضح ببيان معنى الفوقية والعرش والمجيد والذّات.
فالفوقية عبارة عن كون الشيء أعلى من غيره وهي حقيقة في الأجرام كقولنا: زيد فوق السطح، مجازٌ في المعاني كقولنا: زيد السيّد فوق عبده،وفوقية الله تعالى على عرشه فوقية معنوية بمعنى الشرف !! وهي بمعنى الحكم والملك فترجع إلى معنى القهر.. )) انتهى !! 

ويكفي في الردّ عليه قول الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى: ((ولو احتمل ذلك –أي تفسير الأشاعرة لقوله تعالى ((خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش)) بـ (استولى) أو هيمن وسيطر وقهر- لم يحتمله هذا التركيب، فإنّ استيلائه سبحانه وغلبته للعرش لم يتأخّر عن خلق السماوات والأرض، فالعرش مخلوق قبل خلقهما بأكثر من خمسين ألف سنة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم فيما صحّ عنه)) اهـ (مختصر الصواعق المرسلة 1/74)

طيّب .. فهل يرجع الأشاعرة إلى أقوال الصحابة في إثبات ما هم عليه من اعتقاد ؟! وهل في الصحابة من كان على مثل ما هم عليه ؟!

الجواب: لا .. فالأشاعرة لا يرجعون إلا إلى كتبهم التي صنّفها لهم أئمّتهم كالرازي وابن فورك والآمدي والشهرستاني والجويني والغزالي والبغدادي والسبكي والبيجوري وغيرهم !! 
وليس في الصحابة من قال بمثل قولهم ولو وجدوا مَن قال بمثل قولهم لطاروا به فرحاً !! ولكتبوه على الجدران ولبثّوه في كلّ مكان !!

((وقد ذكر الأئمة -رحمهم الله تعالى- فيما صنفوه في الرد على نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ونحوهم أقوال الصحابة والتابعين.
فمن ذلك ما رواه الحافظ الذهبي في كتاب العلو وغيره بالأسانيد الصحيحة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت في قوله تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) قالت: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر)). رواه ابن المنذر واللالكائي وغيرهما بأسانيد صحاح.

قال: وثبت عن سفيان بن عيينة -رحمه الله تعالى- أنه قال: لما سئل ربيعة ابن أبي عبد الرحمن: كيف الاستواء؟ قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ; وعلينا التصديق)) .

وقال ابن وهب: كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله ((الرحمن على العرش استوى)) كيف استوى؟ 
فأطرق مالك -رحمه الله- وأخذته الرّحضاء وقال: الرحمن على العرش استوى، كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف؟ و((كيف)) عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة، أخرجوه. رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب.

ورواه عن يحيى بن يحيى أيضا، ولفظه: قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة))

قال شيخ الاسلام ابن تيميةرحمه الله معلقاً على قول مالك الآنف:
((وكلام مالك صريح في إثبات الإستواء، وأنه معلوم، وأن له كيفية، لكن تلك الكيفية مجهولة لنا لا نعلمها نحن، ولهذا بَدّع السائل الذي سأله عن هذه الكيفية، فإن السؤال إنما يكون عن أمر معلوم لنا، ونحن لا نعلم استواءه، وليس كل ما كان معلوماً وله كيفية تكون تلك الكيفية معلومة لنا))(مجموع الفتاوى 5/181).

قال الذهبي: فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله، وأخبروا أنه معلوم لا يحتاج لفظه إلى تفسير، ونفوا عنه الكيفية، قال البخاري في صحيحه: قال مجاهد ((استوى)) علا على العرش. 
وقال إسحاق بن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) اي ارتفع. 

وقال محمد بن جرير الطبري في قوله تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) أي علا وارتفع)).

وقد ذكر الإمام الذهبيرحمه الله في سير أعلام النبلاء((17/487)) أن ابن فورك- وهو من أئمة الأشاعرة- دخل على السلطانمحمود بن سبكتكين رحمه الله (ت: 421هـ) فقال له((لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية، لأنلازم ذلك وصفه بالتحتية...))
فقال السلطان: ((ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هووصف نفسه))
فبُهت ابن فورك، فلما خرج من عنده مات، فيقال: انشقت مرارته. اهـ
قال العلامة الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في ((فتح المجيد ص 194 مكتبة الصفا)):
((وفي هذه الأحاديث وما بعدها وما في معناها: إثبات علو الله تعالى على خلقه على ما يليق بجلاله وعظمته، وأنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء بكلام يسمعه الملائكة، وهذا قول أهل السنة قاطبة سلفا وخلفا. خلافا للأشاعرة والجهمية; ونفاة المعتزلة. فإياك أن تلتفت إلى ما زخرفه أهل التعطيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل)) اهـ

فصل


تنزيه السنّة والقرآن عن أن يكونا من أصول الضلال والكُفران

وإنّ من البوائق التي جاء بها الأشاعرة في دينهم المبتدع المُحرّف زعمهم أنّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنّة من أصول الكفر والضلال !!! 
فقد صرّح بذلك السنوسي في عقيدته أحد متأخرّيهم وكذلك الشيخ أحمد الصاوي المالكي (ت 1241 هـ) في حاشيته على تفسير الجلالين، حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى: ((ولا تقولنّ لشيء إنّي فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله ...)) الآية: ((لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو ولفق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية (!!!) فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مُضلٌّ وربما أداه ذلك للكفر (!) لأنّ الأخذ بظاهر الكتاب والسنّة من أصول الكُّفر ..)) اهـ


وهذا الصاوي ليس من أهل العلم ولا كرامة وإن زكمت أنوف الصوفية والأشعرية بل هو ضال مُضلٌّ جاهلٌ الجهل المُركّب .. وليست هذه المقالة الكُفرية التي يدين بها الأشاعرة هي خطؤه الوحيد بل للصاوي هذا أخطاء وزلاّت وبوائق أخرى .. فقد زعم أنّ قوله تعالى ((أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً)) يدخلُ فيه من سمّاهم هو –وغيره من أهل الضلال- الوهّابية !!

قال الإمام الجهبذ الحبر البحر محمّد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه الجليل: ((أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن 7/269-270)) بعد أن ردّ على الصاوي ومن شايعه وتابعه على باطله:

((وقول الصاوي في كلامه المذكور في سورة آل عمران: إن العلماء قالوا: ((إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)). قول باطل لا يشك في بطلانه من عنده أدنى معرفة.
ومن هم العلماء الذين قالوا إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر؟
سموهم لنا، وبينوا لنا من هم؟
والحق الذي لا شك فيه أن هذا القول لا يقوله عالم، ولا متعلم، لأن ظواهر الكتاب والسنة هي نور الله الذي أنزله على رسوله ليستضاء به في أرضه وتقام به حدوده، وتنفذ به أوامره، وينصف به بين عباده في أرضه.
والنصوص القطعية التي لا احتمال فيها قليلة جدا لا يكاد يوجد منها إلا أمثلة قليلة جدا كقوله تعالى: ((فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ))[البقرة:196].
والغالب الذي هو الأكثر هو كون نصوص الكتاب والسنة ظواهر.
وقد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه، إلى المحتمل المرجوح، وعلى هذا كل من تكلم في الأصول.
فتنفير الناس وإبعادها عن كتاب الله، وسنة رسوله، بدعوى أن الأخذ بظواهرهما منأصول الكفر هو من أشنع الباطل وأعظمه كما ترى)). اهـ


وقد كتب الشيخ العلامة أحمد بن حجر آل بوطامي رحمه الله ردّاً مُستقلاً على كلام الصاوي الآنف في كتاب عنون له بـ ((تنزيه السنّة والقرآن عن أن يكونا من أصول الضلال والكُفران)) فليراجع ففيه فوائد جمّة.



فصل


أئمّة المالكية يبطلون قول الأشاعرة المبتدع

وقد ذكر الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه ((الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة)) كما في مختصره لمحمّد بن الموصلي اثنين وأربعين وجهاً في إبطال قول مَن فسَّر الاستواء على العرش بالاستيلاء عليه، وذكر أنَّ كثيراً من المالكية على منهج السَّلف في العقيدة، فقال في (2/494-497 دار الفكر، تحقيق رضوان جامع رضوان):

((الوجه الثاني عشر: أنَّ الإجماعَ منعقدٌ على أنَّ الله سبحانه استوى على عرشه حقيقة لا مجازاً، قال الإمام أبو عمر الطلمنكي - أحد أئمَّة المالكية وهو شيخ أبي عمر بن عبد البر - في كتابه الكبير الذي سَمَّاه الوصول إلى معرفة الأصول، فذكر فيه من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم وأقوال مالك وأئمَّة أصحابه، ما إذا وقف عليه الواقفُ علمَ حقيقةَ مذهب السَّلف، وقال في هذا الكتاب: ((أجمع أهلُ السنَّة على أنَّ الله تعالى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز)).

الوجه الثالث عشر: قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب ((التمهيد)) في شرح حديث النُزول: ((وفيه دليلٌ على أنَّ الله تعالى في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة))

وقرَّر ذلك، إلى أن قال: ((وأهل السُّنَّة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في القرآن والسُّنَّة، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلاَّ أنَّهم لا يُكيِّفون شيئاً من ذلك، ولا يَحدُّون فيه صفة مخصوصة، وأمَّا أهل البدع الجهمية والمعتزلة والخوارج، فكلُّهم يُنكرُها ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أنَّ مَن أقرَّ بها مشبِّهٌ، وهم عند مَن أقرَّ بها نافون للمعبود)).

وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره المشهور في قوله ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)): هذه المسألة للفقهاء فيها كلام))، ثم ذكر قول المتكلمين، 
ثم قال: ((وقد كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق به في كتابه، وأخبرت به رسلُه، ولم يُنكر أحدٌ من السلف الصالح أنَّه استوى على عرشه حقيقة، وإنَّما جهلوا كيفية الاستواء، كما قال مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول)).

الوجه الرابع عشر: أنَّ الجهمية لَمَّا قالوا إنَّ الاستواءَ مجازٌ صرَّح أهل السُّنَّة بأنَّه مستوٍ بذاته على عرشه، وأكثرُ مَن صرَّح بذلك أئمَّةُ المالكية، فصرَّح به الإمام أبو محمد بن أبي زيد في ثلاثة مواضع من كتبه، أشهرها ((الرسالة))، وفي كتاب ((جامع النوادر))، وفي ((كتاب الآداب))، فمَن أراد الوقوف على ذلك فهذه كتبه، وصرَّح بذلك القاضي عبد الوهاب، وقال: إنَّه استوى بالذات على العرش، وصرَّح به القاضي أبو بكر الباقلاني وكان مالكيًّا، حكاه عنه القاضي عبد الوهاب نصًّا،
وصرَّح به أبو عبد الله القرطبي في كتاب شرح أسماء الله الحسنى، فقال:
((ذكر أبو بكر الحضرمي من قول الطبري يعني محمد بن جرير وأبي محمد بن أبي زيد وجماعة من شيوخ الفقه والحديث، وهو ظاهر كتاب القاضي عبد الوهّاب عن القاضي أبي بكر وأبي الحسن الأشعري، وحكاه القاضي عبد الوهاب عن القاضي أبي بكر نصًّا، وهو أنَّه سبحانه مُستوٍ على عرشِه بذاته، وأطلقوا في بعض الأماكن فوق خلقه)).

قال: ((وهذا قولُ القاضي أبي بكر في تمهيد الأوائل له، وهو قولُ أبي عمر بن عبد البر، والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيّين، وقول الخطّابي في شعار الدِّين)).

وقال أبو بكر محمد بن موهب المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد:
((قوله إنَّه فوق عرشه المجيد بذاته، معنى (فوق) و(على) عند جميع العرب واحدٌ، وفي كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم تصديقُ ذلك، 
ثمَّ ذكر النصوصَ من الكتاب والسنة واحتجَّ بحديث الجارية وقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها: (أين الله؟) وقولها: (في السماء)، وحكمه بإيمانها، وذَكَر حديثَ الإسراء، ثمَّ قال: 
((وهذا قول مالك فيما فهمه عن جماعةٍ مِمَّن أدرك من التابعين، فيما فهموا من الصحابة فيما فهموا عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم: أنَّ اللهَ في السماء بمعنى فوقها وعليها، قال الشيخ أبو محمد: إنَّه بذاته فوق عرشه المجيد، فتبيَّن أنَّ علوَّه على عرشه وفوقه إنَّما هو بذاته، إلاَّ أنَّه بائنٌ من جميع خلقه بلا كيف، وهو في كلِّ مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته، لا تحويه الأماكن؛ لأنَّه أعظمُ منها، 
إلى أن قال: وقوله: ((على العرش استوى))، إنَّما معناه عند أهل السنَّة على غير معنى الاستيلاء والقهر والغلبة والملك، الذي ظنَّت المعتزلةُ ومَن قال بقولهم أنَّه معنى الاستواء، وبعضُهم يقول إنَّه على المجاز لا على الحقيقة، 
قال: ويُبيِّن سوءَ تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأوَّلوه من الاستيلاء وغيره، ما قد علمه أهلُ المعقول أنَّه لَم يَزل مستولياً على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها، وكان العرشُ وغيرُه في ذلك سواءً، فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاءٌ وملكٌ وقَهرٌ وغلبةٌ، 
قال: وذلك أيضاً يبيِّن أنَّه على الحقيقة بقوله: ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً))، فلمَّا رأى المصنِّفون إفراد ذكره بالاستواء على العرش بعد خلق السموات وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء علموا أنَّ الاستواءَ غير الاستيلاء، فأقرُّوا بوصفه بالاستواء على عرشه وأنَّه على الحقيقة لا على المجاز؛ لأنَّه الصادقُ في قِيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله؛ إذ ليس كمثله شيء، هذا لفظه في شرحه)). اهـ
.

موقف الإمام مالك من أصول الأشاعرة

روى حافظ المغرب الإمام ابن عبد البر رحمه الله بسنده عن فقيه المالكية بالمشرق الإمام ابن خويز منداذ أنه قال في كتاب الشهادات شرحاً لقول مالك : ((لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء)):
((أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام ، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري ، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً ، ويهجر ويؤدب على بدعته ، فإن تمادى عليها استتيب منها)) جامع بيان العلم وفضله 2/117



فصل


الواجب تسمية الأشاعرة جهمية


ويا ليت الأشاعرة يرجعون إلى ما كتبه إمامهم الأشعري في آخر حياته ككتابه ((الإبانة عن أصول الديانة)) وكتاب ((مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين)) فلو فعلوا ذلك لكانوا حقّا أشاعرة وكانوا حقا أهل سنّة وجماعة ... أما وإنّهم يرفضون الاعتراف بهذين الكتابين فضلا عن اتّباع ما فيهما فهم جهمية وإن نسبوا أنفسهم إلى أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى.

وهذا هو الواجب .. أن ننسب القوم إلى الجهمية لأنّهم على عقيدتهم وأن لا ننسبهم إلى أبي الحسن الأشعري فهو بريء منهم .. 

فقد نقل أهل العلم قديماً وحديثاً رجوع أبي الحسن الأشعري إلى عقيدة أهل السنّة والجماعة عقيدة الإمام المبجّل أحمد بن محمّد بن حنبل رحمه الله تعالى ..

وقد صرّح هو بذلك رحمه الله تعالى كما في كتابه ((الإبانة عن أصول الديانة ص 43 مكتبة دار البيان تحقيق بشير محمّد عيون)) حيث قال:

((قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسّك بكتاب ربّنا عزّ وجلّ، وبسنّة نبيّنا صلى الله عليه وسلّم، وما روي عن السادة الصحابة والتّابعين وأئمّة الحديث، ونحنُ بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل نضّر الله وجهه، ورفع درجته وأجزل مثوبته، قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنّه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحقّ عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين وشكّ الشاكّين، فرحمة الله عليه من إمام مقدّم، وجليل معظّم، وكبير مفخّم، وعلى جميع أئمّة المسلمين ...)) اهـ

وممّن قال برجوع أبي الحسن الأشعري من عقيدة المعتزلة وعقيدة الكلابية إلى عقيدة أهل السنّة والجماعة أهل الحديث: ابن خلّكان في ((وفيّات الأعيان)) والحافظ الذهبي في ((العلو للعلي الغفّار)) وابن كثير في ((البداية والنّهاية)) والصوفي تاج الدّين السبكي في ((طبقات الشافعية)) وابن فرحون المالكي في ((الديباج المذهّب)) والمرتضى في ((إتحاف السدة المتّقين بشرح أسرار إحياء علوم الدّين)) وابن عساكر في ((تبيين كذب المفتري)) وغيرهم من أهل العلم ..

وممّن عزى كتاب ((الإبانة)) إليه: الإمام البيهقي، والإمام الذّهبي، وابن فرحون المالكي، وشيخي الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم، وابن كثير وابن العماد الحنبلي وغيرهم ...

لأجل ذلك كان الواجب علينا نسبت هؤلاء الشرذمة من النّاس إلى أصلهم الأوّل وهم الجهمية !

يقول الشيخ العلامة أبو السمح محمّد عبد الظاهر الفقيه رحمه الله في كتابه ((حياة القلوب بدعاء علاّم الغيوب ص91 دار البعث، قسنطينة)) بعد أن نقل عقيدة أهل الحديث التي أثبتها أبو الحسن الأشعري وقال بها في مقالاته:

((يقول عبد الظّاهر محمّد أبو السمح، إمام الحرم المكّي ومدير دار الحديث: وبكلّ ما ذكر من قولهم نقول، وبما دانوا به ندين، على بصيرة ونور لا بعصبية وتقليد.
وقد نقلنا هذه النّسخة حرفياً من كتاب المقالات للإمام أبي الحسن الأشعري، لتكون حجّة على الذين يزعمون أنّهم أشعريو العقيدة، وهم في الحقيقة جهميون، أتباع الجهم بن صفوان الخبيث، المنكر صفات الربّ سبحانه وتعالى، النّافي كلّ ما دلّت عليه الآيات والأحاديث بتالتأويل والتعطيل ..)) اهـ

فصل



الأشاعرة ليسوا من أهل السنّة



قال الشيخ عبد الرحمن:
((والحق إنما يعرف بدلالة كتاب الله، وسنةرسوله عليه الصلاة والسلام- لا يعرف الحق بالكثرة، فإن الله تعالى أبطل ذلك، حيثبين أن الكثرة لا يعوَّل عليها، كما قال تعالى: (( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُونَ)) [يوسف:21].
وقال تعالى: (( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ)) (يوسف:38). 
وقال تعالى : (( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِيُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) (الأنعام:116).
والسنة ما كان عليه أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم، ودلت عليها نصوص الكتاب والسنة، والأشاعرة فرقة من الفرقالإسلامية، وهم وإن كانوا ينتسبون إلى السنة، فليس مذهبهم موافقًا لما كان عليهالصحابة، رضي الله عنهم، وما دل عليه القرآن والحديث )).



التعليق: 

كون الأشاعرة ينتسبون إلى السنّة فيه نظر .. 
فإن كان المقصود أنّهم ينسبون أنفسهم إلى السنّة فصحيح –و هذا هو مقصودّ الشيخ عبد الرحمن حفظه الله- بل قد ادّعوا أنّهم أهل السنّة والجماعة دون غيرهم !!

فقد زعم ذلك الصوفي القشيري صاحب الرسالة في دين الصوفية (ت ق5هـ) وكذا أبو إسحاق الشيرازي الفقيه الشافعي (ت 476هـ) وكذا حجّة إسلام الصوفية أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) وكذا القاضي أبو بكر بن العربي المالكي (ت 543هـ) حيث جعل الأشاعرة هم أهل السنّة وألحق الحنابلة وأهل الحديث بالمشبّهة !! وكذا تاج الدّين السبكي الخرافي الصوفي الشافعي حيث قرّر أنّ الحنابلة –يعني أهل الحديث ومن كان على اعتقاد أحمد بن حنبل- مبتدعة وأنّ الأشاعرة هم أهل السنّة !! (راجع: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث للدكتور خالد كبير علال، ص94،95 دار الإمام مالك الجزائر)

وممّن جعل الأشاعرة الضلال من أهل السنّة والجماعة الصوفي الخرافي داعية الشرك محمّد علوي المالكي حيث عرّف الأشاعرة في كتابه ((مفاهيم يجب أن تصححص111)) بأنّهم((هم أئمة أعلام الهدى من علماء المسلمين الذين ملأ علمهم مشارق الأرض ومغاربها وأطبق الناس على فضلهم وعلمهم ودينهم، هم جهابذة علماء أهل السنة وأعلام علمائها الأفاضل الذين وقفوا في طغيان المعتزلة.

هم الذين قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والعلماء أنصار علوم الدين والاشاعرة أنصار أصول الدين)) "الفتاوى" الجزء الرابع.. الخ)) اهـ


وهذه العبارة التي نسبها علوي المالكي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قد نسبها إليه شيخه في الضلال محمّد علي الصابوني –وهو أشعري هو الآخر- وفي الحقيقة إذا رجعت إلى الموضع الذي أحال إليه كلٌّ من الصابوني والمالكي وجدتَ أنّ هذه العبارة ليست لشيخ الإسلام ابن تيمية! ! وإنّما هي للصوفي الأشعري عزّ الدين بن عبد السلام المُلقّب بـ (سلطان العلماء) !! حكاها عنه شيخ الإسلام ابن تيمية وفنّدها وبيّن تهافتها وأنّها ليست على إطلاقها..

راجع كتاب ((هذه مفاهيمنا ص230-232))للشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى.


وأمّا نسبة الأشاعرة إلى أهل السنّة فهذا خطأ وباطل وقد تقدّم علاقة الأشاعرة بالسنّة ومدى احترامهم لها !!!


فلا يصحُّ نسبة الأشاعرة إلى أهل السنّة إلا من باب تمييزهم عن الروافض أعداء الملّة .. أمّا أن يُنسبوا إلى السنّة هكذا بإطلاق فهذا غشٌّ وتدليس.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (الفتاوى 6/359):
((أمّا من قال بكتاب الإبانة الذي صنّفه الأشعري في آخر عمره ولم يُظهر مقالةً تُناقضُ ذلك فهذا يُعدُّ من أهل السنّة، لكن مجرّد الانتساب للأشعري بدعة ...))


يقول سماحة الشيخ العلامة عبد المحسن العبّاد البدر حفظه الله: 

((... والأشاعرة هم المنتسبون إلى مذهب أبي الحسن الأشعري - رحمه الله - المولود سنة (270هـ) والمتوفى سنة ( 330هـ) ، الذي كان عليه قبل رجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة ، وهو تأوبل أكثر الصفات ، وهو خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، وعلى هذا فالأشاعرة من الفرق الإسلامية المنحرفة عما كان عليه أهل السنة والجماعة ، وليس من المعقول أن يُحجب حق عن الصحابة والتابعين وأتباعهم ، ثم يكون في اتباع اعتقادٍ حصلت ولادته بعد أزمانهم .. )) ((تأكيد المُسلّمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأنّ الأشاعرة من الفرقة المرضيّة ص 5-6 دار الإمام أحمد))






تنبيه:

لا يخدعنّك أخي القارئ الكريم بعض من يصطادون في الماء العكر أو كمّا سمّاهم أحد الإخوة -بارك الله فيه- (غلاة التعديل) !! 

أقول لا يخدعنّك هذا الصنف من النّاس ببعض كلامهم المزخرف وببعض أقوالهم الرنّانة أنّ الواجب عدم الكلام في هذه الأمور وأنّ التفريق بين أهل الحديث والأشاعرة مُحدثٌ وأنّه سبب ضعف الأمّة وأنّه يجب علينا غضّ الطّرف عن هذه الخلافات الجانبية والفرعية والثانوية التي لا تزيد الأمّة إلا وهناً !! وأنّ الواجب علينا أن نتعاون معهم على البرّ والتّقوى وأن نجتمع فيما اتّفقنا عليه ويعذُرَ بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه .. الخ تلك الشعارات البرّاقة التي لا تهدفُ حقيقة إلا إلى طمس الهوية السلفية السنّية وتمييع عقيدة الولاء والبراء !!

وقد خرج علينا في هذه الأيّام رجلٌ من شنقيط اسمهُ محمّد الحسن ولد الددو فصرّح بلسان عربي مبين أنّ الفرقة النّاجية والطّائفة المنصورة هم الأشاعرة والماتريدية والسلفية !!! 
وقد سبقه إلى ذلك جمعٌ من أهل الضلال كالصوفي صالح الأسمري والصوفي عبد العزيز القارئ وغيرهما ..

وقد أصدر هذا الأخير -أي القارئ- فتوى جماعية تضمّ الدكتور محمّد بن ناصر السحيباني والدكتور عبد الله الغنيمان تنصُّ على أنّ الأشاعرة من الفرقة النّاجية !! وقد ردّ الشيخ عبد العزيز بن ريّس الريّس حفظه الله تعالى على هذه الفتوى في رسالة ماتعة بعنوان: ((تأكيد المُسلّمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأنّ الأشاعرة من الفرقة المرضيّة)) فلتراجع.

قال الإمام الفقيه محمّد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه على العقيدة الواسطية (ص34 دار الريّان الجزائر):

((فالأشاعرة مثلاً والماتريدية لا يُعدّون من أهل السنّة والجماعة في هذا الباب، لأنّهم مخالفون لما كان عليه النّبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه في إجراء صفات الله سبحانه وتعالى على حقيقتها، ولهذا يخطئ من يقول: إنّ أهل السنّة والجماعة ثلاثة: سلفيون، وأشعريون، وماتريديون، فهذا خطأ، نقول: كيف يكون الجميع أهل سنّة وهم مختلفون ؟! 
فماذا بعد الحقّ إلا الضلال ؟!
وكيف يكونون أهل سنّة وكلّ واحد يردُّ على الآخر ؟!
هذا لا يمكن إلا إذا أمكن الجمع بين الضدّين، فنعم، وإلا، فلا شكّ أنّ أحدهم وحدهُ هو صاحبُ السنّة، فمن هو ؟!
الأشعرية أم الماتريدية أم السلفية ؟!
نقول: من وافق السنّة، فهو صاحب السنّة، ومن خالف السنّة، فليس صاحب سنّة، فنحنُ نقول: السلف هم أهل السنّة والجماعة، ولا يصدق الوصف على غيرهم أبداً، والكلمات تعتبر بمعانيها.
لننظر كيف نسمّي من خالف السنّة أهل السنّة ؟!
لا يمكن ! 
وكيف يمكن أن نقول عن ثلاث طوائف مختلفة: إنّهم مجتمعون ؟! 
فأين الاجتماع ؟!
فأهل السنّة والجماعة هم السلف مُعتقداً، حتى المُتأخّرُ إلى يوم القيامة إذا كان على طريقة النّبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فإنّه سلفي. )) اهـ

قلتُ: وكلام الإمام ابن عثيمين الأخير هذا يردُّ على ما زعمه الدكتور الصوفي الخرافي محمّد سعيد رمضان البوطي عامله الله بعدله حين زعم في كتابه العفن ((السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)) أنّه لا يجوز أن ينسب الإنسانُ نفسه إلى السلف لأنّه ليس للسلف مذهبٌ يعرفون به أصلاً !! وقد ردّ عليه العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى في رسالة طُبعت بعنوان ((التعقيبات على كتاب السلفية ليست مذهباً)) فهتك فيه أستار البوطي وفضحه.




فصل



هل صحيح أنَّ أكثرَ المسلمين في هذا العصر أشاعرة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال أو قل هذه الشبهة ! نورد سؤالا مهمّا وهو: هل كون الأشاعرة هم السواد الأعظم من المسلمين اليوم يغيّر من حكمنا عليهم بالابتداع والضلال ومخالفة الحقّ ومشاقّة الرسول واتّباع غير سبيل المؤمنين ؟!
الجواب: في دين الإخوان المسلمين - أو إن شئت فقل المجرمين – وجميع الحزبيين والحركيين نعم ! ذلك أنّ هذه الأحزاب والجماعات قائمة على مبدأ: كتّل وجمّع ثمّ ثقّف !! وفي الحقيقة ما رأينا منهم إلى التكثّل والتجمّع لمحاربة السنّة وأهلها .. أمّا التثقيف فمجرّدُ خيال !
وقد قال زعيم أكبر جماعة حزبية حركية في عصرنا في غير ما موضع لمخالفيه –حتى للروافض- نجتمع فيما اتّفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه !!
أمّا في دين الإسلام فالكثرة لم ولن تكون يوماً من الأيّام معياراً لمعرفة المحقّ من المبطل والصادق من الكاذب والمهتدي من الضال والسنّي من البدعي ..
بل العكس يكادُ يكون هو الصحيح دائما ! 
فانظر إلى القرآن الكريم كيف أنّ الله تعالى قد حكم على أكثر النّاس بأنّهم لا يؤمنون ! وأنّهم لا يعلمون ! وأنّهم لا يعقلون ! وأنّ قليلا منهم المؤمنون ! وقليلا منهم الشاكرون ! وأنّك لو أطعت أكثر من في الأرض لأضلّوك عن سبيل الله !!
وانظر كيف أخبرنا الله تعالى عن أنبيائه وما لاقوهُ من أقوامهم وكم آمن معهم وبهم !! 
فهذا نوحٌ أوّل رسل الله تعالى يقول الله مُخبراً عن حاله: ((ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً)) يدعوهم إلى الله فـ ((ما آمن معه إلا قليل)) !! ولك أن تسأل نفسك: كيف لا يؤمن مع رسول من أولي العزم من الرسل إلا قليل ونحنُ نرى بعض الدعاة كحسن البنا وعمرو خالد قد استجاب لدعوتهم الملايين ؟! ألأنّهما أعرف منه بأساليب الدعوة ! أم لأنّهما يدعوان إلى غير ما دعا إليه عليه السلام ؟! 
من قال بالأولى كفَرَ بالاتّفاق !
ومن قال بالثانية صدق وكان من أصحاب الوفاق ... 
وقد سبق آنفاً قول الشيخ عبد الرحمن البرّاك حفظه الله: ... والحق إنما يعرف بدلالة كتاب الله، وسنةرسوله عليه الصلاة والسلام- لا يعرف الحق بالكثرة، فإن الله تعالى أبطل ذلك، حيثبين أن الكثرة لا يعوَّل عليها، كما قال تعالى: (( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُونَ)) [يوسف:21].
وقال تعالى: (( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ)) (يوسف:38). 
وقال تعالى : (( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِيُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) (الأنعام:116)...
يقول العلامة الشيخ عبد المحسن العبّاد البدر حفظه الله: ((هل صحيح أنَّ أكثرَ المسلمين في هذا العصر أشاعرة؟
الأشاعرة هم المنتسبون إلى أبي الحسن الأشعري، وهو علي بن إسماعيل المتوفى سنة (330هـ) رحمه الله، وقد مرَّ في العقيدة بثلاثة أطوار: كان على مذهب المعتزلة، ثم في طور بين الاعتزال والسُّنَّة، يثبت بعضَ الصفات ويؤوِّل أكثرها، ثمَّ انتهى أمره إلى اعتقاد ما كان عليه سلف الأمة؛ إذ أبان عن ذلك في كتابه ((الإبانة))، الذي هو من آخر كتبه أو آخرها، فبيَّن أنَّه في الاعتقاد على ما كان عليه إمام أهل السُّنَّة، الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – وغيره من أهل السُّنَّة، وهو إثبات كلّ ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، على ما يليق بالله، من غير تكييف أو تمثيل، ومن غير تحريف أو تأويل، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)).

والأشاعرة باقون على مذهبه الذي كان عليه قبل الانتقال إلى مذهب أهل السُّنَّة والجماعة، وقد اشتهر عند بعض الناس مقولةٌ أنَّ الأشاعرة في هذا العصر يُمثِّلون 95بالمئة من المسلمين، وهذه المقولة غير صحيحة من وجوه:

الأول: أنَّ إثبات مثل هذه النسبة إنِّما يكون بإحصاء دقيق يؤدِّي إلى ذلك، وهو غير حاصل، وهي مجرَّد دعوى.

الثاني: أنَّه لو سُلِّم أنَّهم بهذه النِّسبة؛ فإنَّ الكثرةَ لا تدلُّ على السلامة وصحَّة العقيدة، بل السَّلامةُ وصحَّةُ المعتقد إنَّما تحصل باتِّباع ما كان عليه سلف هذه الأمَّة من الصحابة ومَن سار على نهجهم، وليست باتِّباع معتقد توفي صاحبُه في القرن الرابع، وقد رجع عنه.
وليس من المعقول أنَّ يُحجب حقٌّ عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، ثم يكون في اتِّباع اعتقاد حصلت ولادتُه بعد أزمانهم.

الثالث: أنَّ مذهب الأشاعرة إنَّما يعتقده الذين تعلَّموه في مؤسَّسات علمية، أو تعلَّموه من مشايخ كانوا على مذهب الأشاعرة، وأمَّا العوام– وهم الأكثرية – فلا يعرفون شيئاً عن مذهب الأشعرية، وإنَّما هم على الفطرة التي دلَّ عليها اعتقاد الجارية في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وقد تقدَّم.

والعقيدة المطابقة للفطرة هي عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وقد مرَّ إيضاحُ ذلك قريباً ... )) (قطف الجني الداني ص 35-36)


  

فصل



أمثلة على مخالفة الأشاعرة لعقيدة أهل السنّة أهل الحديث والأثر


قال الشيخ عبد الرحمن: 
((فمذهب الأشاعرة يتضمن أمورًامخالفة :
كنفي كثير من الصفات حيث لا يثبتون إلا سبعًا من الصفات))

التعليق:
إنّ ممّا خالف فيه الأشاعرةُ أهلَ السنّة والجماعة نفيُهم –أي الأشاعرة- جميع صفات ذات الله تعالى كالساق والوجه والأصابع واليدين والعينين والوجه .. وكذلك ينفون أغلب صفات الأفعال لله تعالى –المتعلّقة بمشيئته- كالضحك والغضب والفرح والمكر بالماكرين والاستهزاء بالمنافقين والنّزول إلى السماء الدّنيا والاستواء على العرش والمجيء لفصل الخطاب يوم القيامة وغيرها من الصفات الفعلية .. ولا يُثبتون لله تعالى إلا سبعاً من الصفات ويقولون: هي الصفات التي أوجبها العقلُ !! 

وهي الصفات التي لا يتصوّرُ العقل إلهاً من دونها!! وهي: السمع والبصر والكلام والحياة والقدرة والإرادة والعلم. وزاد بعضهم صفة البقاء فجعلها الثامنة !! انظر (كفاية الطالب الرباني ص 57 هامش)

فإثباتُ هذه الصفات عند الأشاعرة ليس من باب تصديق الأخبار الدالّة على ذلك ولكن من باب تصديق عقولهم القاصرة التي لم تستطع تقبُّل أكثر من ذلك !!

فالعقل –عندهم- يستطيعُ أن يتصوّر إلهاً من غير يد ! أو من غير عينين !! أو من غير وجه !! ولكن لا يتصوّر إلهاً من غير سمع ولا بصر ولا كلام ولا حياة ولا إررادة .. الخ الصفات التي تفضّلت بها عقولهم فأثبتتها لله تعالى !! فلذلك تجدهم يُسمّون ما أثبتوا لله تعالى من الصفات بالصفات العقلية وأمّا الصفات التي عطّلوا الله تعالى منها ونفوها عنه ورفضوا وصفه تعالى بها فيسمونها الصفات الخبرية !! أي: الثابتة في الكتاب والسنّة !!

قال الشيخ عبد الرحمن: 
((ويقولون : إنالإيمان هو مجرد التصديقويخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، وهذا مذهب المرجئة))

التعليق: 
حقاً هذا هو مذهب المرجئة الخبثاء !!
وهو مخالف لما دلّت عليه النّصوص الشرعية من أنّ الإيمان قول وعمل واعتقاد لا يُجزئُ أحدها عن الآخر .. وأنّ الإيمان يزيد وينقص وأنّ أهله متفاضلون فيه فليس إيماني كإيمان الصحابة فضلا عن جبريل !!

يقول صاحب الجوهرة –في دين الأشاعرة-:


وفسر الإيمان بالتصديق*** والنطق فيه الخلف بالتحقيق



وقال الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري في شرحه على رسالة القيرواني المسمّى: ((الثمر الدّاني ص 10 دار الفكر1424هـ)):

(من ذلك) أي الواجب (الإيمان بالقلب) أي التصديق بالقلب (والنطق باللسان) أي النّطق بالشهادتين. وظاهره أنّ الإيمان مركّب منهما، وظاهر كلامه –أي الإمام ابن أبي زيد القيرواني- الآتي أنّ الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، أنّه مركّبٌ من الثلاثة، ونُسب للمعتزلة، وهذا كلّه باعتبار جريان الأحكام وإلا فالتّصديق وحده ينجي صاحبه من الخلود في النّار .. )) اهـ

فانظر يا هداك الله إلى نسبته القول بأنّ الإيمان قول وعمل واعتقاد للمعتزلة الضلال !! ثمّ زعمه أنّ كون الإيمان مركّبٌ من الثلاثة ليس حقيقيا وإنّما باعتبار جريان الأحكام .. يعني أنّ كون القول والعمل من الإيمان مجازا وليس حقيقة !! 

ثمّ انظر إليه كيف جعل مجرّد التّصديق ينجي صاحبه من الخلود في النّار !! 

وبناءاً على قوله المنكوس هذا فإنّ أبا جهل وأبا لهب ناجون من الخلود في جهنّم !! فقد أخبر الله تعالى عن مشركي قريش أنّهم لا يُكذّبون النّبيّ صلى الله عليه وسلّم !! وليس يبعُد عليك أخي القارئ الكريم تصديق أبو طالب عمّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولكنّه لم ينطق بكلمة التوحيد فكان من أصحاب الجحيم !!

فعن أيّ سنّة يتحدّثون وإلى أيّ جماعة ينتسبون ؟!

وبمثل قول الأبي قال صاحب (كفاية الطالب الرباني)

قال الإمام حرب –صاحب الإمام أحمد- رحمهما الله: (( .. هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحابالنبي إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة و سبيل الحق))

قال:((وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم كمن جالسنا وأخذنا عنهم العلم و كان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة.

والإيمان يزيد وينقص ويستثنى من الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية عند العلماء.
فإذا سئل الرجل (أمؤمن أنت)؟
فانه يقول انا مؤمن إن شاء الله أو مؤمن أرجوا.
ويقول آمنت بالله و ملائكته وكتبه ورسله.
ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء.
ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع فهو مرجئ.
ومن زعم أن الإيمان يزيد و لا ينقص فقد قال بقول المرجئة.
ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ.
ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة فهو مرجئ.
ومن زعم أن المعرفة في القلب وأن لم يتكلم بها فهو مرجئ ))

قال الإمام ابن القيّم رحمه الله ((قلت:حربٌ هذا صاحب أحمد وإسحاق وله عنهما مسائل جليلة وأخذ عن سعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وهذه الطبقة وقد حكى هذه المذاهب عنهم واتفاقهم عليها ومن تأمل المنقول عن هؤلاء وأضعاف أضعافهم من أئمة السنة والحديث وجده مطابقا لما نقله حرب ولو تتبعناه لكان بمقدار هذا الكتاب مرارا ..)) (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص 304 و 308 دار الفكر ط1، 1422)

وقال الإمام القدوة محمد بن الحسين الآجرّي رحمه الله في كتابه العظيم ((الشريعة ص96 دار الحديث تحقيق: فريد الجندي)):
((اعلموا - رحمنا الله تعالى وإياكم - أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح.

ثم اعلموا : أنه لا تجزىء المعرفة بالقلبوالتصديق، إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزىء معرفة بالقلب ونطق باللسان، حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث: كان مؤمناً. 
دل على ذلك الكتاب والسنة، وقول علماء المسلمين ..)) ثمّ شرع يذكر الأدلّة على ذلك.

وقال الإمام البخاري رحمه الله:
((لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد بالحجاز سنه أعوام ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان .. ))
ثم شرع في ذكر أسماء عدد من الأئمّة الذين أخذ عنهم الإمام البخاري العلم والحديث والسنّة ثمّ قال:
(( .. واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصرا وأن لا يطول ذلك فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء:
· أن الدين قول وعمل، وذلك لقول الله ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتواالزكاة وذلك دين القيمة))...))

وبسبب هذا القول البدعي من الأشاعرة فإنّك لا تجدهم –أي الأشاعرة-يتكلّمون على توحيد الألوهية والعبادة بل يقتصرون على توحيد الربوبية لأنّ الأعمال عندهم ليست من الإيمان وهم يفسّرون لا إله إلا الله بلا ربّ إلا الله !!
أو لا قادر على الاختراع إلا الله !!
أو لا فاعل موجود إلا الله !!
أمّا أهل السنّة فيفسّرونها بلا معبود حقٌّ إلا الله.

فلذلك تجد المجتمعات التي ينتشر فيها مذهب الأشاعرة ينتشرُ فيه الفسق والفجور والبدع والشرك بكلّ ألوانه !!
فيكفي أن تقول لا إله إلا الله فتصير كامل الإيمان وإن صدر منك ما صدر ! 
فهنئاً لأهل المعاصي والفجور !! وصدق الإمام القحطاني رحمه الله حين قال مخاطباً الأشاعرة:

إن حلّ مذهبكم بأرض أجذبت*****أو أصبحت قفراً بلا عمران

قال الشيخ عبد الرحمن:
((ومنأصول مذهبهم : نفي تأثير الأسباب في مسبباتها))

التعليق: 
وهذا من المخزيات المُضحكات ... بل قد وصل بهم الغباء حتى صرّحوا بأنّ من قال أنّ النّارُ تُحرقُ بطبعها فقد كفر !!
وما ذلك إلا امتداداً لتأثّرهم بالجبرية الذين يقولون إنّ العبد مجبور على أفعاله سواء كانت خيرا أو شراً !! وليس الله بظلام للعبيد فإنّه يتصرّفُ في ملكه كيف ما يشاء و((لا يُسألُ عمّا يفعل وهم يُسألون)) !!

يقول قائلهم: 
والفعل في التأثير ليس إلا **** للواحد القهّار جلّ وعلا


ومن يقل بالطبع أو بالعلّة **** فذاك كفر عند أهل الملّة


ومن يقول بالقوة المودعة **** فذاك بدعي فلا تلتفت !!



يقول الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير حفظه الله:
((...السفارينية في العقيدة، في بيان عقيدة السلف، وإن كان دخلها لوثة لكنها خفيفة، حينما يقرر أن المتواتر يفيد العلم، يقول: والعلم يحصل عنده لا به، إيش معنى يحصل عنده لا به؟ 
الشبع يحصل عند الأكل لا به، الري يحصل عند الشرب لا به، الكلام هذا فيه محظور وإلا ما فيه محظور؟

نعم، هذا على مذهب الأشاعرة في نفي تأثير الأسباب، أن وجود الأسباب كعدمها لا قيمة لها، ولذلك لو تشرب بئر ما كان ريك به إنما كان ريك عنده، لو تأكل إناء كبير من الطعام وينتفخ بطنك كان شبعك عند الأكل لا به، الأكل سبب، الشرب سبب، والري والشبع حصل عنده لا به، هم يلغون الأسباب، ويجعلون وجودها مثل عدمها، يقابلهم المعتزلة، المعتزلة يرون أن للأسباب تأثيراً مستقلاً، مستقل تأثير الأسباب، 

وأهل السنة يقولون: إن الأسباب مؤثرة بلا شك، لكنها الله -سبحانه وتعالى- وهو المسبب هو الذي جعل لهذه الأسباب تأثيراً، ولذا قد يتخلف المسبب عند وجود السبب، قد يتخلف المسبب عند وجود السبب لوجود مانع مثلاً، لا سيما في الأسباب المعنوية والحسية أيضاً، قد تلبس في الشتاء مائة ثوب ويدخلك البرد، وقد تغتسل بالماء البارد بثيابك في الشتاء ولا يضرك، لكن لا نقول: إن هذا هو الأصل هو المطرد، نقول: لا هذا خلاف الأصل؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- جعل لهذه الأسباب تأثيراً لا على جهة الاستقلال، والمسبب هو الله -جل وعلا-.

يعني الأشاعرة فيهم أصحاب عقول كبار كبار، يعني لو نظرت إلى عقل مثلاً الرازي أو الباقلاني أو غيره من الكبار لكن يقعون في مثل هذه الأشياء، يقول لك: ممكن أن تشوف وأنت كفيف، كفيف جالس في المسجد تشوف اللي يحدث بأمريكا، يعني عباراتهم من كتبهم يقولون: يجوز أن يرى أعمى الصين البقة في الأندلس، يقولون هذا الكلام؛ لأن البصر سبب، يعني في كتبهم هذا يقولون، يعني ما هو بمحض افتراء، أنا لو أقول هنا في الرياض: ....أمريكا قيل: هذا تنظير من عندك، في كتبهم يقولون: يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، البقة صغار البعوضة، لماذا؟ لأن البصر سبب والأسباب لا قيمة لها، يعني وجودها مثل عدمها.
ولذلك قال السفاريني: ويحصل العلم عنده لا به، وهذه لوثة من مذهب الأشعرية، وأنتم تعرفون أنه يقرر في بداية الكتاب السفاريني أن مذهب أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية، وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن، والماترودية وإمامهم أبو منصور.
المقصود أن هذه لوثة ولا يوافق على هذا لا يوافق على هذا...)) اهـ من شرح نظم (اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون) (رقم 3)

وقال الحافظ أبو محمّد بن حزم في الجزء الخامس من كتابه ((الفصل)):
((الكلام في الطبائع:
قال أبو محمد: ذهبت الأشعرية إلى إنكار الطبائع جملة و قالوا ليس في النار حر ولا في الثلج برد ولا في العالم طبيعة أصلاً.
و قالوا إنما حدث حر النار جملة وبرد الثلج عند الملامسة.
قالوا ولا في الخمر طبيعة إسكار ولا في المني قوة يحدث بها حيوان ولكن الله عز وجل يخلق منه ما شاء وقد كان ممكنا أن يحدث من مني الرجال جملا ومن مني الحمار إنسانا ومن زريعة الكزبر نخلا.

قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة شغبوا بها في هذا الهوس أصلاً وقد ناظرت بعضهم في ذلك فقلت له:إن اللغة التي نزل بها القرآن تبطل قولكم لأن من لغة العرب القديمة ذكر الطبيعة والخليقة والسليقة والبحيرة والغريزة والسجية والسيمة والجبلة بالجيم ولا يشك ذو علم في أن هذه الألفاظ استعملت في الجاهلية وسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكرها قط ولا أنكرها أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا أحد ممن بعدهم حتى حدث من لا يعتد به ...)) اهـ


قال الشيخ عبد الرحمن:
((ومن ذلك نفي تأثير قدرة العبد فيأفعاله))

وهذا فرعٌ على ما سبق من دجل .. وأهل السنّة والجماعة يعتقدون أنّ الله هو الخالق لكلّ شيء ومن ضمنها أفعال العباد .. فالله خالق أفعال العباد والعباد فاعلون لها حقيقة.. وقد لا يُحسنُ بعض القرّاء فهم هذه المسألة فأنصحهم بالرجوع إلى كتاب ((الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد)) للعلامة الفوزان حفظه الله تعالى لتعلّم مراتب الإيمان بالقدر عند أهل السنّة والجماعة. 

وهذا كلام مختصر حول هذه المراتب:
اعلم رحمك اللهأنَّ الإيمان بالقدر لا يصح إلا بالإيمان بمراتبه التي دلّ عليها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي أربعة :

الأولى : الإيمان بعلم الله عز وجل الأزلي المحيط الشامل لما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون .

الثانية : الإيمان بالكتابة ، وأنَّ الله عز وجل كتب مقادير الخلائق ، وكلَّ ما هو كائن ، وهذه الكتابة تمت قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما ثبت في الحديث:((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات بخمسين ألف سنة)).

الثالثة : الإيمان بالمشيئة ، وأنَّ الأمور كلَّها بمشيئة الله ، وأنَّه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فالملك ملكُ الله ، ولا يمكن أن يكون فيه شيء إلا بمشيئته ، لا ذرة ولا حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه .

الرابعة : الإيمان بالخلق والإيجاد ، وأنَّ الله خلق كلَّ شيء ، بما في ذلك أفعال العباد ، قال تبارك وتعالى : ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) ، وقال
((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)).

وقد جمع بعض أهل العلم هذه المراتب الأربعة في بيت من الشعر فقال : 


علمٌ كتابةُ مولانا مشيئتُه ***** وخلقُه وهو إيجادٌ وتكوينٌ


فمن لم يؤمن بمراتب القدر الأربعة فليس بمؤمن بالقدر .

هذا وقد صرّح أئمّة الأشاعرة بالقول بالجبر وأنّ الإنسان مجبور ومن أولئك عبد القاهر البغدادي صاحب ((الفرق بين الفرق)) والفخر الرازي صاحب ((التفسير الكبير)) فقد قال ما معناه: ((إنّ الإنسان مجبور في صورة مُختار)) !!!

فهنيئاً مرّة ثانية لأصحاب المعاصي والفجور !!

وقد حاول الأشاعرة دفع هذه الحقيقة المنتنة عنهم وحاولوا جاهدين مسح هذا العار من على جباههم فخرجوا بنظرية مُبتدعة غامضة لم يفهموها –هم أنفسهم- فضلا عن غيرهم !! 

وسمّوا هذه النظرية بـ ((نظرية الكسب)) وخلاصتُها: ((أنّ العبد إذا صمّم عزمه فالله تعالى يخلق الفعل عنده، والعزم أيضاً فعلٌ يكون واقعاً بقدرة الله تعالى، فلا يكون للعبد في الفعل مدخل على سبيل التأثير وإن كان له مدخلٌ على سبيل الكسب ..)) والحقّ أنّ الكسب عند الأشاعرة هو تعلّق القدرة الحادثة بالمقدور في محلّها من غير تأثير ...

وقولهم هذا مبنيٌّ على ضلال آخر وهو قولهم أنّ الاستطاعة –أي استطاعة العبد على أفعاله- تكون مع الفعل ولا يجوز أن تتقدّمه ولا أن تتأخّر عنه، وما يفعله الإنسان فهو كسبٌ له ..

أمّا أهل السنّة فيُثبتون للعبد استطاعة بمعنى الوسع والقدرة وسلامة الآلات، وهذه قد تتقدّم على الفعل أو تقارنه، ولا يجبُ بها الفعل، لكن خطاب الشرع مرتبط بها، وأمّا الاستطاعة التي يجب بها الفعل وهي بمعنى التوفيق، فهذه بإرادة الله وحده، وهي التي تقارن الفعل .. (انظر اعتقاد أهل السنّة للدكتور محمّد الخميّس ص 54 وما بعدها، دار الصميعي)

ورحم الله القائل:

مما يُقـال ولا حقيقة تحـتـه ****معقولة تدنوا إلى الأفهـام


الكسب عند الأشعري والحال****عند البهشمي وطفرة النظام

قال الشيخ عبد الرحمن:
ومن ذلك قولهم : بأن كلام الله معنى نفسي لا يسمع من الله؛ لأنه ليس بحرف، ولاصوت، وأن هذا القرآن عبارة عن كلام الله ليس هو كلام الله حقيقة؛ فموسى لم يسمعكلام الله من الله، بل إن الذي سمعه كلامٌ خلقه الله في الشجرة وهو عبارة عن المعنى النفسي، وهذا من أعظم التنقص لله، حيث يتضمن هذا القول تشبيه الله بالأخرس، ...

التعليق:
اعلم رحمك الله أنّ القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق تكلّم به حقيقة لا مجازاً بصوت لا يُماثله أصوات المخلوقين، سمعه منه جبريلُ فوعاهُ فأقرأهُ محمّداً صلى الله عليه وسلّم، من الله بدأ وإليه يعودُ في آخر الزمان.

هذه عقيدتنا في القرآن أنّه كلام الله الحقيقي معناهُ ولفظهُ.


يقول الإمام القحطاني رحمه الله:
إنّ الذي هو في المصاحف مثبتٌ **** بأنامل الأشياخ والشبّان


هو قول ربّي آيه وحروفه **** ومدادنا والرقُّ مخلوقان


من قال في القرآن ضد مقالتي **** فالعنهُ كلّ إقامة وأذان




وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى في شرحه على كتاب التوحيد: (إعانة المستفيد ص 2/31): 
((وفي قوله: (قال) إثبات أن الله يتكلّم، فصفة الكلام ثابتةٌ لله، يتكلّم متى شاء إذا شاء سبحانه وتعالى؛ كلاماً يليق بجلاله، ليس مثل كلام المخلوقين، فكيفيّته وكُنْهُه لا يعلمهما إلاَّ الله سبحانه وتعالى، لكنه ثابتٌ لله من صفات الأفعال التي يفعلها الله إذا شاء سبحانه وتعالى.

ففيه: ردٌّ على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين ينفون الكلام عن الله سبحانه وتعالى)). اهـ



ولكنّ الأشاعرة لم يعتقدوا في القرآن ما اعتقدناهُ بل قالوا عن القرآن إنّه نوعان: ألفاظٌ ومعان ..
فالألفاظ مخلوقةٌ وإنّما سمّي القرآن كلام الله مجازاً لا حقيقةً !! وإنّما أضافه الله إليه فقال ((وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)) الآية، إضافة تشريف لا إضافة صفة إلى موصوف !! 

والمعاني أزليةٌ قديمة قدم الله تعالى قائمةٌ بذات الله تعالى وهي معنى واحدٌ لا ينفكُّ عنه ولا يتبعّضُ ولا يتجزّأ إن عُبّر عنه بالعبرانية كان توراةً وإن عُبّر عنه بالسريانية كان إنجيلاً وإن عُبّر عنهُ بالعربية صار قرآناً !!! وأنّه لا يتعلّق بمشيئة الله وقدرته.

و قالوا إنّ هذا القرآن هو تعبير عن كلام الله النّفسي المسموع !! 

وهذا القول منهم أبعد عن النّقل والعقل معاً ! فالكلام النّفسي لا يُسمعُ ! ولم يقُل بهذا الهُراء غير الأشاعرة. حتى إنّ الماتريدية -وهي ربيبة الأشعرية- قالوا: هو –أي القرآن- كلام الله النّفسي لا يُسمعُ، فموسى عليه السلام وغيره من الأنبياء لم يسمعوا كلام الله، وإنّما سمع موسى صوتاً مخلوقاً في الشجرة !!

فقول الماتريدية هذا –على ضلاله- أقرب إلى العقل من قول الأشاعرة !!

قال القرافي: معنى الكلام النّفسي أنّ كلّ عاقل يجدُ في نفسه الأمر، والنّهي، والخبر ...، وهو غير مختلف، ثمّ يُعبّر عنه بعبارات، ولغات مختلفة، فالمُختلفُ هو الكلام اللساني، وغير المختلف هو الكلام النّفسي القائم بذات الله القائم بذات الله تعالى! اهـ (البحر المحيط 1/444) 

فهم -بهذا الكلام الباطل- يجعلون الله جلّ جلاله عاجزٌ عن الكلام متى شاء بما شاء كيفما يشاء !!

فالله عزّ وجلّ عند الأشاعرة والماتريدية لا يتكلّم بمشيئته وقدرته، وليس فيما يقوم به شيء يكون بمشيئته وقدرته، لامتناع قيام الأمور الاختيارية به عندهم، لأنّها في زعمهم حادثة والله تعالى لا يقوم به حادثٌ في زعمهم، ولهذا تأوّلوا –بل حرّفوا- النّصوص التي تُناقض أصلهم وتجتثُّه من جذوره.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (درء التعارض 2/18): 
((أمّا مسألة قيام الأفعال الاختيارية به –أي الله- فإنّ ابن كلاب والأشعري وغيرهم ينفونها، وعلى ذلك بنوا قولهم في مسألة القرآن...))

فما دليلهم على ما يعتقدون ؟!

هُنا يتدخّلُ الشاعرُ النّصراني الأخطل فيُجيبُك:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما*****جُعل اللسان على الفؤاد دليلا


فهؤلاء هم الأشاعرة !! يأخذون دينهم واعتقادهم من شعر منسوب للنّصارى !! فأيّ جماعة هم وأيّ سنّة هم عليها ؟؟!! 

والذي أعتقدهُ –من باب قوله تعالى ((لا يجرمنّكم شنئانُ قوم ..))- أنّ الأخطل النّصراني مسكين قد مُسح فيه السكّين –كما نقول نحنُ الجزائريّون- فكلّ ما يُنسبُ إليه هو من اختراع الأشاعرة أنفسهم ولا تصحُّ نسبة شيء من هذا الهراء إليه .. 

يقول العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله رادّا على استدلال الأشاعرة بما يُنسبُ للأخطل: 
(( ... أما اللغوي فلأن الاستواء في اللغة يأتي بمعنى الاستيلاء قال الشاعر – حسب كلامهم - :

قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق


(قد استوى بشر على العرق) يعني استولى بشر على العراق ، من القائل ؟
قالوا هذا البيت قاله الأخطل .
بحث أهل العلم في ديوان الأخطل الذي يرويه المعروفون فلم يجدوا هذا البيت في ديوانه ، فمن نسبه للأخطل ؟
لم ينسبه إلا المعتزلة إليه ، قال الأخطل ، لماذا خصوا الأخطل ؟
حتى يجعلوه في حدود من يحتج بشعرهم لأن شعر العرب يحتج به إلى سنة 150 للهجرة وما بعد ذلك لا يحتج بالشعر لأنه كثر فيه الموَلًّد واستعمال الألفاظ غير العربية ، فاختاروا الأخطل لذلك ولاختلاف نسخ ديوانه ، إلى آخره وهو لا يوجد في شيء من ذلك ، وقد أورده – أورد هذا البيت – صاحب كتاب الصحاح الجوهري وغُلِّط في ذلك ولم يعزه إلى ديوان معروف برواية عالم معروف ، وهذا ما من شك أنه على أصولهم يبطل ، لماذا ؟
لأننا نقول لهم أيها المبتدعة وأيها الأشاعرة وأيها المعتزلة إذا كان استوى بمعنى استولى واحتججتم فيه بذلك بما يثبت عقيدة وأنتم من المعروف لديكم أنكم تقولون ليس خبر الآحاد بحجة في العقائد ، حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لا يحتج به في باب العقيدة لماذا ؟
قالوا:لأنه نقل آحاد وإن صح السند وعلمنا الرجال وهم ثقات لكن هم أفراد والأفراد يجوز عليهم الغلط ، فردّوا أحاديث الصفات لأجل نقل الآحاد ،

فنقول : ألا حكمتم على أنفسكم بمثل ما اعترضتم به ، فهذا البيت لم ينقله أحد ، ليس ثَمّ إسناد إلى الأخطل أصلا وإنما هي نسبة من غير صحة ولو صح الإسناد فمقتضى كلامكم أنه لا يؤخذ بهذا ، لا يؤخذ بنقل الآحاد ، لا بد يكون نقلا مشتهرا ، مع أنه ليس موجودا في كتب الأخطل وليس ثم إسناد إليه فهو إذن أدنىوأدنى من مرتبة نقل الآحاد ، فعلى مقتضى أصولهم يجب عليهم إذا كانوا منصفين أن يبطلوا الاحتجاج بذلك)) شرح الواسطية شريط 2.

هذا وقد استشكل الآمدي -وهو من أئمّة الكلام الأشاعرة- كون القرآن أزليٌّ قديمٌ فقال: (( إني نظرت في هذا القول وهو أنّ كلام الله قديم، وأنّ القرآن قديم، وأنه حين أوحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام إنما أوحي بالعبارة وبما ألقي في نفس جبريل، فأشكل علي أنّ القرآن فيه آيات كثيرة فيها التعبير عنه بلفظ الماضي ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا))، وهل كان ثم مجادِلة؟
وهل كان ثمّ زوج؟
وهل كان ثمّ صوت حتى يسمع الله؟
قال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ) فإذا كان الله قال هذا القول في الأزل ولا زوجة ولا مجادِلة ولا قول، فما الذي سمع؟
فيلزم منه أن قوله (قَدْ سَمِعَ) وكل أفعال الماضي في القرآن أنها غير مطابقة للواقع، وهذا هو الكذب،...)) اهـ

وهذا لاشك أنه رد منطقي جميل لأنه يلزمهم على أصولهم ولا فرار لهم منه. من الدرس العاشر من شرح الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ.

طيّب .. فإذا كان القرآن هو معنى قائم بذات الله تعالى وأنّهُ أزليٌّ –قديمٌ- كما يعتقد الأشاعرة الضلال فمن الذي عبّر عنه ؟!

هنا اختلف الأشاعرة إلى فريقين .. فريق قال إنّ من عبّر عن كلام الله النّفسي هو جبريل ! استدلالا بقوله تعالى ((إنّه لقول رسول كريم)) !!!
وفريق صرّح بأنّه النّبي صلى الله عليه وسلّم استدلالا بقوله تعالى ((إنّه لقول رسول كريم)) كذلك !!! وبذا صرّح الباقلاني والجويني من مُتقدّمي أئمّتهم في الضلال.

وتأوّلوا قول الله تعالى ((نزل به الروح الأمين)) الآية بأنّه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال ! وذلك بناءاً على عقيدتهم في نفي علوّ الله تعالى على خلقه!!

ولذلك تجد بعض المبتدعة ممّن يُعطون الإجازات على بعض القراءات يوقفون الإسناد إلى اللوح المحفوظ لا إلى الله تعالى !! وذلك لاجتناب إضافة الكلام إلى الله تعالى تنزيهاً منهم لله تعالى في زعمهم !! فالقرآن عندهم إنما هو عبارةٌ عن كلام الله ، يقول بعضهم : خلقه الله في اللوح المحفوظ ، وأخذه جبريل من اللوح المحفوظ مباشرة. (انظر تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص 199-200 للشيخ عبد الرزاق البدر))

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مجيباً على شبهة الأشعرية: 
((وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسول تارة وإلى هذاتارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعضالمبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمنقال إنه قول البشر من مشركي العرب)) اهـ

وأما ما ادّعاه الأشاعرة الجهمية أنّ تسمية الله تعالى للقرآن ((كلام الله)) هو من قبيل المجاز لا الحقيقة وأنّ إضافة الكلام إليه تعالى إضافة تشريف لا إضافة صفة إلى موصوف فمردود وباطل ومحال !!

ذلك أنّ ((المضافات إلى الله نوعان: أعيان، وصفات:
فالصِّفات إذا أُضيفت إليه؛ كالعلم والقدرة والكلام والحياة والرِّضا والغضب ونحو ذلك دلَّت الإضافة على أنَّها إضافة وصف له قائم به ليست مخلوقة لأنَّ الصِّفة لا تقوم بنفسها؛ فلا بدَّ لها من موصوف تقوم به، فإذا أُضيفت إليه عُلِم أنَّها صفة له، لكن قد يعبَّر باسم الصِّفة عن المفعول بها؛ فيسمَّى المقدور قدرة والمخلوق بالكلمة كلاماً والمعلوم علماً والمرحوم به رحمة؛ كقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّم: ((إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مئة رحمة...))[رواه البخاري في (الرقاق، باب الرجاء مع الخوف، 6469، 7 / 183) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.ويُقال للمطر والسَّحاب: هذه قدرة قادر وهذه قدرة عظيمة، ويُقال في الدُّعاء: غفر الله لك علمه فيك؛ أي: معلومه.

وأما الأعيان إذا أُضيفت إلى الله تعالى؛ فإمَّا أن تُضاف بالجهة العامَّة التي يشترك فيها المخلوق، مثل كونها مخلوقة ومملوكة له ومقدورة ونحو ذلك؛ فهذه إضافة عامَّة مشتركة؛ كقوله: ((هذا خَلْقُ اللهِ))[لقمان: 11].
وقد يضاف لمعنى يختصُّ بها يميَّز به المضاف عن غيره، مثل: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، وروح الله؛ فمن المعلوم اختصاص ناقة صالح بما تميَّزت به عن سائر النياق، وكذلك اختصاص الكعبة، واختصاص العبد الصالح الذي عبد الله وأطاع أمره، وكذلك الرُّوح المقدَّسة التي امتازت بما فارقت به غيرها من الأرواح؛ فإنَّ المخلوقات اشتركت في كونها مخلوقة مملوكة مربوبة لله يجري عليها حكمه وقضاؤه وقدره، وهذه الإضافة لا اختصاص فيها ولا فضيلة للمضاف على غيره، وامتاز بعضها بأنَّ الله يحبُّه ويرضاه ويصطفيه ويقرِّبه إليه ويأمر به أو يعظِّمه ويحبُّه؛ فهذه الإضافة يختصُّ بها بعض المخلوقات؛ كإضافة البيت والناقة والرُّوح وعباد الله من هذا الباب...))

فبان بهذا الكلام –إن شاء الله تعالى- أنّ المُضافات إلى الله تعالى على قسمين:
قسمٌ قائمٌ بنفسه ولا يحتاجُ إلى غيره ليقوم به كالكعبة والأرض والعبد والروح وغيرها .. فهذه إذا أضيفت إلى الله تعالى كقوله تعالى : ((أرض الله)) و ((عبد الله)) و ((روح الله)) فهي إضافة تشريف وامتياز وتخصيص.

وقسمٌ لا يقوم بنفسه كالعلم والبصر والكلام والسمع والوجه واليد والقدرة والاستواء وغيرها .. فهذه إذا أضيفت إلى الله تعالى كقوله تعالى ((حتى يسمع كلام الله)) و ((ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام)) و ((بل يداه مبسوطتان)) فهي إضافة صفة إلى موصوف

وبان بهذا أيضاً ضلال الأشاعرة وكذبهم وتدليسهم وتلبيسهم على المسلمين في زعمهم أنّ ألفاظ القرآن مخلوقةٌ وإنّما سمّي القرآن كلام الله على المجاز لا على الحقيقة !! وإنّما أضافه الله إليه فقال ((وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)) الآية، إضافة تشريف لا إضافة صفة إلى موصوف !! 

((وأمَّا سلف المسلمين من الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسان، وأئمَّة المسلمين المشهورون بالإمامة فيهم كالأربعة وغيرهم، وأهل العلم بالكتاب والسُّنَّة؛ فيفرِّقون بين مملوكاته وبين صفاته؛ فيعلمون أنَّ العباد مخلوقون، وصفات العباد مخلوقة، وأجسادهم، وأرواحهم، وكلامهم، وأصواتهم بالكتب الإلهية وغيرها، ومدادهم، وأوراقهم، والملائكة، والأنبياء وغيرها، ويعلمون أنَّ صفات الله القائمة به ليست مخلوقة؛ كعلمه، وقدرته، وكلامه، وإرادته، وحياته، وسمعه، وبصره، ورضاه، وغضبه، وحبِّه، وبغضه، بل هو موصوف بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسله، ولا يحرفون الكَلِم عن مواضعه، ولا يتأوَّلون كلام الله بغير ما أراده، ولا يمثِّلون صفات الخالق بصفات المخلوق؛ بل يعلمون أنَّ الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ بل هو موصوف بصفات الكمال، منزَّه عن النَّقائص، وليس له مِثْل في شيء من صفاته،ويقولون: إنَّه لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال، لم يزل متكلِّماً إذا شاء بمشيئته وقدرته، ولم يزل عالماً، ولم يزل قادراً، ولم يزل حيّاً سمعياً بصيراً، ولم يزل مريداً؛ فكلُّ كمال لا نقص فيه يمكن اتِّصافه به فهو موصوف به، لم يزل ولا يزال متَّصفاً بصفات الكمال منعوتاً بنعوت الجلال والإكرام سبحانه وتعالى).((الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح لابن تيمية)) (2 / 158 – 164 باختصار).

وبالجملة فإنّ((الصِّفات لها ثلاث اعتبارات: تارة تعتبر مضافة إلى الربِّ، وتارة تعتبر مضافة إلى العبد، وتارة تعتبر مطلقة لا تختصُّ بالربِّ ولا بالعبد.
فإذا قال العبد: حياة الله وعلم الله وقدرة الله وكلام الله ونحو ذلك؛ فهذا كلُّه غير مخلوق ولا يماثل صفات المخلوقين،
وإذا قال: علم العبد وقدرة العبد وكلام العبد؛ فهذا كلُّه مخلوق ولا يماثل صفات الربِّ،
وإذا قال: العلم والقدرة والكلام؛ فهذا مجمل مطلق لا يقال عليه كلُّه أنَّه مخلوق ولا أنَّه غير مخلوق؛ بل ما اتَّصف به الربُّ من ذلك فهو غير مخلوق، وما اتَّصف به العبد من ذلك فهو مخلوق؛ فالصِّفة تتبع الموصوف، فإن كان الموصوف هو الخالق؛ فصفاته غير مخلوقة، وإن كان الموصوف هو العبد المخلوق؛ فصفاته مخلوقة) ((مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (12 / 66).

ورحم الله الإمام الطحاوي القائل في عقيدته: (( فَمَنْ سَمِعَهُ أي القرآن - فَزَعَمَ أَنَّهُ كَلامُ البَشَرِ فَقَد كَفَر، وَقَد ذَمَّهُ اللَّهُ وَعَابَهُ، وَأَوعَدَهُ بِسَقَرَ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)) ، فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قَالَ ((إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ))، عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ الْبَشَرِ، وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ الْبَشَرِ)).


  

قال الشيخ عبد الرحمن:
ولايزكي هذه الأقوال إن قال بها بعض الأكابر والفضلاء من أهل العلم فإنهم غير معصومين،وما قالوه من هذه الأقوال المخالفة لمذهب السلف الصالح هو مما يعد من أخطائهم التيلا يتابعون عليها، وهم في ذلك مجتهدون ومأجورون، والواجب على المسلم أن يحكِّم كتابالله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وألا يتعصب لإمام، أو مذهب، فكلٌّ يؤخذ منقوله ويرد، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم,,,

التاريخ : 11/8/1426 عبدالرحمن بن ناصر البراك

التعليق:
أمّا كون صدور هذه العقائد أو بعضها من بعض الأئمّة يُعدُّ خطأً فصحيح وهم لا يُتابعون على ما وقعوا فيه من الأخطاء في أبواب الفقه كباب المياه والطهارة فضلا عن أصول الاعتقاد !!

ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يجوز الاجتهادُ في أمور الاعتقاد حتى نقول إنّ للمخطئ أجراً وإنّ للمُصيب أجرين ؟!

الجواب: أنّه تقرر عند علمائنا أنّ الاجتهاد لا يكون مع نصّ وأنّ الغيبيات وأمور الاعتقاد من المسائل التوقيفية التي لا مجال للعقل أن يتحكّم فيها قبولا وردّاً وعليه فلا يجوز الاجتهاد في الغيبيات وأمور الاعتقاد، فإذا تقرّر هذا فلا مجال لوصف المصيب بأنّه مصيب والمخطئ أنّه مخطئ، بل الكلُّ مخطؤون ! 
ويشهدُ لهذا القول ما يُروى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ومن أخطأ فليتبوّء مقعده من النّار)) .

وفي ذلك يقول بقية السلف العلامة الدكتور صالح الفوزان حفظه الديّان معقباً على قول الصوفي البوطي: ((إنّ من قواعد هذا المنهج ما قد يخضع فهنه للجتهاد، ومن ثمّ فقد وقع الخلاف ..)) فقال بقية السلف: ((فهل الإسلام قابل للاختلاف ؟! 
كلا، بل إنّ أصول الإسلام والغقيدة ليست مجالا للاجتهاد والاختلاف، وإنّما هذا في المسائل الفرعية.
فمن خالف في أصول الدّين وعقيدته فإنّه يكفُر أو يُضلّلُ بحسب مخالفته، لأنّ مدارها على النّص والتوقيف.)) (تعقيبات على كتاب السلفية ليس مذهبا ص 12-13 مكتبة الهدي المحمّدي)

وقال أيضاً في موضع آخر: ((أمّا مسائل العقيدة فلا مجال للاجتهاد فيها وإنّما مدارها على التوقيف، ومن خالف فيها ضلّل أو كفّر بحسب مخالفته. 
وقد ضلّل السلف القدرية والخوارج والجهمية، وحكموا على بعضهم بالكفر لمخالفتهم منهج السلف)) (نفس المصدر ص14)

أمّا قول الشيخ عبد الرحمن حفظه الله ((والواجب على المسلم أن يحكِّم كتابالله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وألا يتعصب لإمام، أو مذهب، فكلٌّ يؤخذ منقوله ويرد، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم)). فهو كلام يكتب بماء الذّهب كما يقولون. فإنّه يحلّ الإشكال القائم عند كثير من الدّعاة إلى الله على غير بصيرة وعلى خلاف منهاج النّبوة الذين إذا واجهتهم بهذه الحقائق عن الأشاعرة الضلاّل قالوا: إنّ ابن حجر والنّووي وابن الجوزي والعزّ بن عبد السلام والقرطبي وغيرهم كانوا أشاعرة –وقد صدقوا في نسبة بعضهم إلى الأشاعرة وكذبوا في آخرين- فإنّ الحقّ لا يُعرف بالرجال ولكنّ الرجال يُعرفون بالحقّ .

ونحنُ –ولله الحمد- لسنا من مقدسي الرجال والمشايخ كالصوفية الأشرار والروافض الفجّار حاشا وكلا، بل نقول كما قال الأوّلون: كلٌّ يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهؤلاء الأئمّة الذين صدر من بعضهم بعض الموافقة لما عليه الأشاعرة من دين مشين يُحتجُّ لهم ولا يُحتجُّ بهم فإنّ الله لم يجعل العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

ومن نفائس كلام الإمام الفقيه العربي بن بلقاسم التبسي الجزائري رحمه الله تعالى مما يخدم الموضوع الذي نحن بصدده قوله عليه رحمة الله: ((وممّا لا نزاع فيه عند أهل السنّة أنّ العقل أو العادة أو الشهوة لا حكم لها في دين الله المعصوم، وإنّما العقل آلة خلقها الله ندرك بها. ولا حجّة بحكمه إلا في أصول الدّين (الاعتقادات).
ومن المقرّر: إن كنتََ ناقلاً فالصحّة، وإن كنتَ مدّعياً فالدّليل. وانّ غير المعصوم محكوم بهذه القاعدة بلغتت ما بلغت مكانته أو علمه أو صلاحه)) (بدعة الطرائق في الإسلام ص 22 دار البعث قسنطينة/ تحقيق: د. الشرفي)

وقال أيضا عليه رحمات الله: ((ومن المُدوّن في علمي العقائد والسنن أنّ ردّ النّصوص استهزاءاً بها، أو إيثاراً لغيرها عليها كُفرٌ.
ومن المذكور في علمي الفروع والخلافيات: أنّ ترك السنن وتقليد الرجال: بدعة وضلالة.
ومن المدوّن أيضاً: أنّ السلف في القرون الثلاثة كانوا يقتدون بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإنّ المذاهب الاسلامية المعتبرة كانوا يتّبعون الوارد، وخلافهم في مسائلهم تابع لما بين أيديهم من السنن والآثار. وإذا ثبت الحديث فهو مذهب الجميع.
وأنّه لا يُعلمُ إمامٌ يُعرضُ عن سنّة تبيّنت اتّكالاً على أنّ صالحاً أو عالماً خالفها. فإنّ اقلّ ما يقتضي ذلك الفسوق. جعلنا الله ممّن يسمع القول فيتّبع أحسنه.)) اهـ (نفس المصدر ص23)

فإذا تبيّن هذا وترسّخ في الأذهان فاعلم أخي القارئ بارك الله فيك أنّ الموقف الصحيح من أخطاء بعض الأئمّة الفقهاء والمحدّثين في المسائل الاعتقاد أنّ ما صدر منهم خطأ محضٌ يجب التنبيه عليه والتحذير منه والردّ عليه ويجب في المقابل حفظ كرامة من صدر منه هذا الخطئ والترحّم عليه وسؤال العفو له من الله تعالى فإنّ خطأه هذا يكادُ لا يظهرُ أمام حسناته وفضائله..

وهذا شيخ الإسلام ابن باز رحمه الله تعالى يقول في تقدمته على الكتاب الجليل (فتح الباري 1/4) للحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: ((وقد وجدنا للشارح رحمه الله أخطاءً لا يحسن السكوت عنها، فكتبنا عليها تعليقاً يتضمّنُ تنبيه القارئ على الصواب وتحذيره من الخطأ)) اهـ

فأنت ترى أنّ الإمام ابن باز رحمه الله تعالى حذّر من أخطاء ابن حجر في الفتح ومع ذلك فقد شرحه رحمه الله تعالى ودرّسه ونصح به ونقل عنه في كثير من مؤلّفاته وفتاويه.

وحاشا لله أن نشابه الحدّادية الغلاة الذين أحرقوا فتح الباري وشرح صحيح مسلم للنووي رحمه الله تعالى أمام الملأ !! 
حاشا وكلا.. ليس هذا الطريقُ طريقنا ولا ذاك المنهج منهجنا ..

يقول فقيه الزمان الشيخ محمّد بن عثيمين رحمه الله تعالى: ((الآن يوجد بعض النّاس تعلم أنّ له قدم صدق في الحقّ والدفاع عنه، فيخطئ في مسألة واحدة من مسائل الأصول التي هي أصول، فتُمحى كل حسناته، ونضرب لهذا مثلا: بالحافظ ابن حجر رحمه الله، لا يشك في أنّ له قدم صدق في إحياء السنّة ونشرها والدفاع عنها، ومع ذلك سمعنا أنّ البعض يقول: يجب إحراق فتح الباري لأنّه مؤوّل، وهذا غلط عظيم، بل يجب أن نأخذ ما فيه من الحقّ، ونعلّق على ما فيه ممّا ينافي هذا الحقّ.)) اهـ ((تعليق على اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص 51 مكتبة الصفا)).




فصل


هل الأشاعرة كُفّار !؟


اعلم رحمك الله أنّ جمهور العلماء على عدم تكفير الأشاعرة إلا أنّ بعض أهل العلم السابقين حكموا على الأشاعرة بالكفر وأخرجوهم من زمرة المُسلمين بسبب اعتقادهم الباطل ومذهبهم الفاسد ومن أولئك الحافظ أبو نصر السجزي رحمه الله وغيره فقد أكفرهم باسمهم الصريح ! وحكى إجماع الفقهاء على تكفير من قال بقول الأشعري في القرآن الكريم –أي أنّه حكاية عن كلام الله لا أنّه كلام الله الحقيقي كما مرّ بك آنفاً- (انظر رسالة السجزي ص15) وكذا الحافظ الهمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله تعالى فقد حكم على من العتقد اعتقاد الأشعري في كلام الله تعالى بالكفر المخرج من الملّة (انظر الفصل له 3/4-5 و 4/159)

ومن أهل العلم من عرّض بهم ولم يُصرّح بهم – أي باسمهم الصريح- كما صنع الإمام الحافظ اللالكائي في كتابه ((شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة)) والإمام البربهاري وغيرهما من أهل العلم .. 
(انظر في ذلك: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث (ص52)، للدكتور خالد كبير علال، وهو كتاب غزير المادّة إلا أنّ فيه أخطاءاً ليست بالهيّنة ! وسأُفردها بردّ إن شاء الله تعالى)

والذي أعتقدُهُ وأدينُ لله به هو التفصيل في ذلك فليس كلّ من كان على عقيدة الأشاعرة كان كافرا بل يجب التفصيل في مثل هذه الأمور الدقيقة الحساسة فليس كلّ من وافق الأشاعرة في بعض اعتقادهم كتأويل الصفات وغيرها يُحكم بكفره بل يجب التفريق بين ردّ الصفة جحودا وعنادا ونفياً لها وبين ردّها تأويلاً .. وكذلك يجب التفريق بين تأويل الصفة تأويلا سائغاً في لغة العرب وبين تأويل الصفة تأويلاً غير سائغ في لغة العرب وهو ما يعرف بالتأويل البعيد وهكذا ..

كذلك يجب التنبّه إلى أنّ ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه بل لابد من توفّر جميع الشروط وانتفاء جميع الموانع ...

يقول العلامة السعدي رحمه الله:

ولا يتمّ الحكم حتى تجتمع **** كلّ الشروط والموانع ترتفع


يقول فضيلة الشيخ العلامة محمّد أمان الجامي رحمه الله :
((أجمع أهل العلم على أنه من نفى صفة ثابتة بالكتاب والسنة فهو يكفُر، لكن مسألة الكفر بالنسبة للقاعدة : نحن نُطلق هكذا ونؤمن بهذه القاعدة، إلا أنّ الأفراد : قد ينفي الإنسان صفةً ولا يكفُر، أي : كفر المعيَّن يُتَحَفَّظُ فيه، لأن هذا المعيَّن قد تكون له شبهة، ويُعذر بجهل كأن كانت الصفة خفية، كأن عاش في بيئة بين المعتزلة أو بين الأشاعرة الذين يؤوِّلون وينفون الصفات نشأ هناك ولا يعلم من الدين إلا ما يسمع من المعتزلة ومن الأشاعرة ومن علماء الكلام، يحسب أن هذا هو الدين نفسه هو الدين الذي جاء به النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ؛ طالما يعيش في تلك البيئة الفاسدة يُعذر حتى يخرج فيعلم فتقوم عليه الحجة إن تعصّب بعد ذلك قال : أنا لا أترك ما وجدت عليه شيوخي وإن كانت الصفة ثابتة بالكتاب والسنة لكن لا أغيِّر ولا أبدِّل ما كنت عليه؛ بعد علمه يُحكم بكفر، وقبل ذلك لا .

لذلك : هذه القاعدة : ((من شبّه الله بخلقه فهو كافر، ومن نفى صفةً ثابتة بالكتاب والسنة فهو كافر)) هذه قاعدة، قد يخرُج من هذه القاعدة أفرادٌ من الناس بأعذار لوجود أعذارٍ لهم إما شبهة مانعة من فهم ما جاء به رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو جهل يعيش في بادية بعيدًا من أهل العلم ولا صلة له بهذا البحث، عُرضت عليه صفة تصوّر، لَمّا قيل له ((إن ربنا ينـزل كلَّ أخر ليلة)) تصوّر نزولاً كنـزول المخلوق، ولم يجد من يوجِّهه ويعلِّمه أنه ينـزل نزولاً يليق به لا كنـزول المخلوق ويأتي لفصل القضاء يوم القيامة كما يليق به لا كمجيء المخلوق، لم يجد معلِّمـًا يوجِّهه هذا التوجيه، فوجئ بصفات هذه الصفة ونفى واستنكر؛ هذا يعلَّم ولا يُعلن بكفره حالاً، لا بد من التعليم وإقامة الحجة عليه .

أو ـ كما قلنا ـ عاش في بيئة أشعرية تُعلن بأن الله ليس فوق العرش ولا تحت العرش ولا على يمينه ولا على شماله، أي : النفي المطلق ـ نفيٌ لله تعالى ـ، ولا تجوز الإشارة الحسيّة إلى السماء، من أشار إلى السماء إشارة حسيّة واعتقد بأن الله في العلو كافر، وإن لم يعتقد فهو فاسق؛ درَس هذا المنهج، والأساتذة تخرّجوا على منهج المنهج، وخرّجوا التلاميذ على هذا المنهج، ولم يسمعوا شيئـًا غيرَ هذا؛ إذًا : هؤلاء التلاميذ ينبغي أن نعذرهم حتى يخرجوا من تلك البيئة ويتعلّموا؛ وهذا ما حصل لكثير من الذين تخرّجوا على ذلك المنهج وبعد خروجهم من تلك البيئة تغيّروا وفهِموا وأثبتوا صفات الله ـ تعالى ـ وألّفوا في ذلك، وهذا شيء كثير، أمثلة كثيرة لا يسع الوقت لذكرها)). (من شرحه على القواعد المثلى))


فالحاصل أنّ فمن أقيمت عليه الحجّة وبيّنت له المحجّة فأصرّ وعاند واستكبر وقال: أنا لا أترك ما وجدت عليه شيوخي وإن كانت الصفة ثابتة بالكتاب والسنة لكن لا أغيِّر ولا أبدِّل ما كنت عليه فهذا يحكم بكفره ولا كرامة .

وهذا التقرير من الإمام الجامي رحمه الله تعالى موافقٌ أشدّ الموافقة لتقرير الإمام الشافعي ررحمه الله تعالى حين قال: (( لله أسماء وصفات لا يسعُ أحداً ردُّها، ومن خالف بعد ثبوت الحجّة فقد كفر، أمّا قبل قيام الحجّة فإنّه يُعذر بالجهل، لأنّ علم ذلك لا يُدركُ بالعقل ولا الرؤية والفكر)) (فتح الباري)) لابن حجر (13/407).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((من شكّ في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمُرتدٌّ، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتدّ، ولذلك لم يكفّر النّبي صلى الله عليه وسلّم الرجل الذي الشاكّ في قدرة الله وإعادته، لأنّه لا يكون إلا بعد الرسالة)) الفتاوى الكبرى له (4/606).

ويكفي الأشاعرة موعظة -حتى وإن لم تكن بدعتهم مكفّرة- ما قاله الإمام الطرطوشي المالكي رحمه الله تعالى في كتابه الجليل ((البدع والحوادث)) بعد أن ذكر قوله تعالى ((فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون))، قال رحمه الله: ((قال علماؤنا رضي الله عنهم: إذا كان تغيير كلمة في باب التوبة وذلك أمرٌ يرجعُ إلى المخلوق يوجبُ كلّ ذلك العذاب فما ظنّك بتغيير ما هو خبر عن صفات المعبود ؟)) (ص15 دار الكتب العلمية/ ت: محمّد حسن إسماعيل)


  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عدد زوار الموقع